مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

الفرق بين سجود العبادة وسجود التحية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه:
السجود على قسمين:
القسم الأول:سجود بقصد العبادة :فهذا لا يجوز إلا لله تعالى وحده لا شريك له فمن سجد لغير الله تعالى بقصد عبادته فقد أشرك الشرك الأكبر المخرج من الملة بإجماع المسلمين.
القسم الثاني :وهو سجود المخلوق للمخلوق بقصد التحية والتوقير لا بقصد العبادة .فهذا كان جائزاً في شرع من قبلنا وحرم في شرعنا وهو كبيرة من كبائر الذنوب .وقد كان سجود المخلوق للمخلوق من الجائز في الشرائع السابقةكسجود الملائكة لآدام عليه السلام ،وسجودسيدنا يعقوب وزوجته وأولاده لسيدنا يوسف عليهم السلام .ثم حرم في الشريعة الإسلامية ولهذا التحريم مناسبة كما جاءت في الحديث الصحيح أن سيدنا معاذ بن جبل وهو من علماء الصحابة الكبار كان في بلاد الشام فرأى الناس يسجدون للقادة احتراماً لهم فلما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا. رواه ابن ماجه وهذا يدل على أن السجود بغير نية العبادة لا يكون كفراً بمجرده.
وإليكم بعض النقول في المسألة أنقلها للفائدة وليعلم الإنسان تهور الوهابية في تكفيرهم للمسلمين :
أبدأ بالنقل عن الشيخ ابن تيمية الذي يقلدونه في الغلو ولا يقلدونه في الحق إلا قليلاً:قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في مجموع الفتاوى في المجلد الرابع ص 360 ما نصه :..أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية، فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو في غيره ممتنع باطل.
وأما السجود فشريعة من الشرائع؛ إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له، وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم. وسجود أخوة يوسف له تحية وسلام، ألا ترى أن يوسف لو سجد لأبويه تحية لم يكره له.انتهى وكلامه يفيد في تقسيم السجود إلى نوعين كما سبق بيانه .
وقال الإمام الذهبي في كتابه معجم الشيوخ (1/73) : ألا ترى الصحابة من فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: لا، فلو أذن لهم لسجدوا سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة كما سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا. فليعرف أن هذا منهي عنه وكذلك الصلاة إلى القبر. انتهـى.
وقال الشوكاني في السيل الجراروهو من المشائخ المعتبرين عندهم فيما يشتهون : اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار… فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر. وأما قوله (ومنها السجود لغير الله) فلا بد من تقييده بأن يكون سجوده هذا قاصداً لربوبية من سجد له، فإنه بهذا السجود قد أشرك بالله عز وجل وأثبت معه إلهاً آخر، وأما إذا لم يقصد إلا مجرد التعظيم كما يقع كثيراً لمن دخل على ملوك الأعاجم أنه يقبل الأرض تعظيماً له، فليس هذا من الكفر في شيء، وقد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى. انتهى كلام الشوكاني .
وقال الإمام الزيلعي في تبين الحقائق: وما يفعلون من تقبيل الأرض بين يدي العلماء فحرام، والفاعل والراضي به آثمان لأنه يشبه عباده الوثن، وذكر الصدر الشهيد أنه لا يكفر بهذا السجود لأنه يريد به التحية. انتهى.
وجاء باب حكم المرتد من مطالب أولي النهى للإمام مصطفى الرحيباني الحنبلي : أو سجد لصنم أو كوكب. كشمس أو قمر كفر، لأنه أشرك به سبحانه وتعالى (ويتجه السجود للحكام والموتى بقصد العبادة كفر) قولاً واحداً باتفاق المسلمين (والتحية) لمخلوق بالسجود له (كبيرة) من الكبائر العظام والسجود لمخلوق حي أو ميت (مع الإطلاق) العاري عن كونه لخالق أو مخلوق (أكبر) إثماً وأعظم جرماً، إذ السجود لا يكون إلا لله وهو اتجاه حسن. انتهى.
وقال الإمام البجيرمي الشافعي في تحفة الحبيب: مجرد السجود بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخ كتعظيم الله عز وجل بحيث يكون معبوداً، والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك. انتهى.
وقال الإمام النووي في المجموع وفي الروضة: ما يفعله كثير من الجهلة من السجود بين يدي المشايخ حرام قطعاً بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها، وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل، وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر أو يقاربه. انتهى.وعلق الإمام الشرواني على ذلك فقال: قال الشارح في الأعلام بعد نقله ما في الروضة: هذا يفهم أنه قد يكون كفراً بأن قصد به عبادة مخلوق أو التقرب إليه، وقد يكون حراماً بأن قصد به تعظيمة أي التذلل له أو أطلق، وكذا يقال في الوالد والعلماء. انتهى.فما يفعله بعض العوام عند بالسجود لها محرم وكبيرة من الكبائر وليس من الشرك لأنه ليس بقصد عبادتهم كما هو معلوم قطعاً من إيمانهم بأنه (لا إله إلا الله ).
حال من يسجدون للنبي أو الأولياء في زماننا :
أحياناً ترى بعض العوام يسجد إذا رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد الأولياء رحمهم الله تعالى ،ويحمل سجودهم على أحد محملين:
المحمل الأول:أنه سجود شكر لله تعالى أن يسر له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر بعض الأولياء .وهذا هو الغالب من حالهم.
المحمل الثاني:أنه يسجد توقيراً وتحية لهذا النبي صلى الله عليه وسلم أو للولي .وهذا محرم في الشريعة الإسلامية فيجب تعليمه ذلك .واما فعله فليس بكفر بلا شك لأنه لا يريد بهذا السجود عبادة من في القبر ولا يريد به إلا التقرب إلى الله تعالى ،ولجهله لا يعلم أن هذا قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيجب نصيحته وتعليمه بالرفق واما اتهامه بالوقوع في الشرك فهذا غلط بلا شك لأنه معلوم من حاله أنه لا يؤمن برب إلا الله ولا يجوز عبادة غيره فهذا هو الأصل ولذا فنحمل فعله على أحد المحملين السابقين فقط لأن هذا هو الحق والله تعالى الموفق لا رب سواه .