مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الخميس، 18 ديسمبر 2014

الوسائل الى المقاصد الحسنة هي سنة حسنة

الوسائل الى المقاصد الحسنة هي سنة حسنة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه اما بعد: لقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة بالحث على ذكر الله تعالى لما فيه من خير عظيم وفضل كبير . وهذه النصوص جاءت تارة تحث على الاجتماع للذكر وتارة تحث على الذكر منفردا . فليس اجتماع المسلمين على ذكر الله تعالى بأمر مستنكر لمن عرف أن من مقاصد الشريعة تعاون المسلمين واجتماعهم على طاعة الله تعالى لما فيه من عظيم البركات قال تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان” ولا يوجد مسلم له قلب يزعم أن ذكر الله ليس من البر والتقوى . فإذا اجتمع المسلمون لعمل ذلك فإنما هو من التعاون على الخير . مطلب في ذكر الأدلة على الاجتماع للذكر: قال الله تعالى ” {فاذكُرُوني أذكُرْكُم} [البقرة: ]. وهذا الأمر موجه لجميع الأمة وهو وارد بلفظ الجمع فتخصيصه بالأفراد دون اجتماع الجماعة لهذا العمل الشرعي ليس إلا من تلبيس الشيطان . وقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسَبِّحُوه بكرةً وأصيلاً} [الأحزاب: 41ـ42]. وهو خطاب عام لجميع المؤمنين لم يقل لا تذكروا الله جماعة ولا قال تعالى اذكروا الله فرادى فمن زعم أنه لا يجوز أن يجتمع المسلمون لذكر الله جماعة فقد ظلم وضيق أمر الله العام الشامل فقيده بمحض الهوى وحب التحكم. ولا يوجد أي نص يقيد أو يخصص هذه النصوص العامة بالذكر الفردي دون الاجتماع جماعة للذكر . بل على العكس تماما فقد وردت النصوص الكثيرة من السنة المطهرة التي تدل على الأمر بالاجتماع للذكر لما فيه من بركة اجتماع المسلمين على طاعة الله تعالى . فمن الأحاديث: الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : “يقول الله : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه “رواه البخاري ففي الحديث التصريح بالذكر في ملأ أي في جماعة . وتأمل يا أخي المسلم في هذا الحديث الصحيح الصريح في استحباب الذكر الجماعي حيث أخرج الامام مسلم، واالامام لحاكم – واللفظ له – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ” إنَّ لله ملائكة سَيَّارة وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض، فإذا أتوا على مجلس ذكر حَفَّ بعضُهم بعضاً بأجنحتهم إلى السماء، فيقول الله : من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عبادك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويسألونك ويستجيرونك، ....... قد غفرت له، هم القوم لا يَشْقَى بهم جليسهم " فتأمل في هذا الحال ترى أن الملائكة عليهم السلام يبحثون عن مجالس وتلك المجالس فيها قوم متجالسون اجتمعوا يذكرون الله تعالى بأنواع من الذكر منها التهليل وهو قول لا اله الا الله ومنها التكبير وهو قول الله أكبر .وهكذا . فهذا الفعل المحمود عند الله تعالى أصبح مذموما عند بعض الناس هداهم الله تعالى. ولو أتى دليلا واحدا لكان يكفي في استحباب الاجتماع للذكر فكيف بهذه الآيات والأحاديث . وتأمل فيما أخرج الإمام مسلم، والامام الترمذي، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنهما- قالا : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” ما من قَوْم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ” . تأمل يا حبيب الله ترى أنه يقول ما من قوم ولم يقل مما من فرد فقط .وهؤلاء القوم في مجالس ذكر سبق بيان أفعالهم فيها وهو أنهم كما في الحديث السابق يسبحون ويهللون وغيرها من ألفاظ الذكر المعلومة.. وهذا حديث في مسند الإمام أحمد، ونصه: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر. ورواه أيضاً الترمذي وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الامام السيوطي رحمه الله وغيره. وقد جاءت رواية تفسر معنى الرتع رواها الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: المَسَاجِدُ، قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ” . قال الامام الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ. فتأمل كيف أنهم يقولون أنواعا من الذكر منها سبحان الله ولا اله الا الله…. قال الشيخ سلطان علي قارىء الحنفي رحمه الله تعالى في شرحه لمشكاة المصابيح: حاصل المعنى ، إذا مررتم بجماعة يذكرون الله تعالى فاذكروه أنتم موافقة لهم ، فإنهم في رياض الجنة . قال الامام النووي رحمه الله تعالى : واعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله ، وهو قد يكون بالقلب ، وقد يكون باللسان ، وأفضل منهما ما كان بالقلب واللسان جميعا ، فإن اقتصر على أحدهما ، فالقلب أفضل ، وينبغي أن لا يتركالذكر باللسان مع القلب بالإخلاص خوفا من أن يظن به الرياء ، وقد نقل عن الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك . والإخلاص أن يخلصك الله منهما ، لكن لو فتح الإنسان على نفسه باب ملاحظة الناس والاحتراز عن طرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير . انتهى والمحافظة على هذه المجالس لا بد فيها من الصبر كسائر الطاعات واذكر نفسي واخواني المسلمين بما أمرنا الله تعالى به في محكم التنزيل حيث قال ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) قال الإمام ابن كثير الشافعي رحمه الله تعالى في تفسيره اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء . انتهى وقال الإمام الطبراني رحمه الله تعالى: حدثنا إسماعيل بن الحسن ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، عن أسامة بن زيد عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في بعض أبياته : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فخرج يلتمسهم ، فوجد قوما يذكرون الله تعالى ، منهم ثائر الرأس ، وجافي الجلد وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم وقال : ” الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم ” انتهى كما في تفسير ابن كثير أيضا. وقال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ،عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فخرج يلتمس ، فوجد قوما يذكرون الله ، منهم ثائر الرأس ، وجاف الجلد ، وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم ، فقال : “الحمد لله الذي جعل لي في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معه ” فتأمل أخي الحبيب في قوله وجد قوما يذكرون الله تعالى . فهذا هو ديدن المسلمين منذ عصر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا وتأمل كيف نقله شيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري وابن كثير كما نقله الامام القرطبي وغيرهم رحمهم الله تعالى . وراجع هذه الآية الكريمة في تفسير المفسرين كتفسير الإمام ابن كثير أو شيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري أوالامام القرطبي رحمهم الله تعالى. ثم علينا أن نحذر كل الحذر مما نهانا الله تعالى عنه في نفس الآية حيث قال تعالى “ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” فالغافل عن ذكر الله تعالى يستحوذ عليه الشيطان وينسيه ذكر الله تعالى ولا يزال يتدرج به في الغفلة حتى يرى هذه الغفلة قربة وطاعة ثم قد يصير به الحال إلى أن يدعو الناس إلى ترك مجالس الذكر ويزعم أن الاجتماع للذكر بدعة.وهذا من تلبيس الشيطان عليه .فنعوذ بالله من نزغات الشيطان وتوهيمه وتلبيسه. مطلب :غلط رد النصوص بأثر سيدنا ابن مسعود: حاول المخالفون رد هذه النصوص الكثيرة الصريحة بأثر يروى عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه ليس له إسناد ثابت وأمثل أسانيده الضعيفة هو ما رواه الإمام الدارمي في سننه بسنده الى عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج . فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أنفا أمرا أنكرته،ولم أر والحمد لله إلا خيراً. قال: فما هو. فقال: إن عشت فستراه، قال رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائةً، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة. ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم ؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنْتُ لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون. قالوا: يا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل، وأنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمدٍ أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.انتهى وهذا الأثر عن سيدنا ابن مسعود لا يصح أن نعارض به أدلة الذكر الجماعي الكثيرة للأسباب التالية: السبب اﻷول : أن أثر سيدنا ابن مسعود ليس بحديث أصلا بل هو قول صحابي ومعلوم إجماع العلماء أن رأي الصحابي اذا خالف دليلا واحدا من الأدلة الشرعية فلا يؤخذ به فكيف إذا خالف أدلة كثيرة ؟! السبب الثاني: أن هذا الأثر ليس فيه إنكار لاجتماعهم على الذكر بل أنكر عليهم حال العجب والمن بالعمل على الله تعالى والتصدر للناس مع وجود الصحابة الكرام الذين هم أتقى وأعلم بالله .وتفرس أنهم من الخوارج الذين حذر منهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد صدقت فراسته . فمن تأمل لم يجد أي كلمة واحدة نهى فيها عن الاجتماع للذكر وانما قال لهم «أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم»، و كذلك قوله « فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء». أما من توهم بعقله وسوء فهمه أن الصحابة ينهون عن التعاون على طاعة الله تعالى والاجتماع لذكر الله تعالى فقد أبعد عن الحق بلا شك. ولو كان لمجرد تحلقهم لذكر الله فهو معارض بحلق الذكر التي حث عليها الشرع . ولو كان لمجرد عد الأذكار لكان معارض بجواز العد ولو كانوا فرادى كما في اذكار الصباح والمساء وتسبيحات دبر الصلوات ولقيل لا تعدوا ثلاث وثلاثين بل عدوا سيئاتكم !! فإذن لا معنى لهذا إلا أنه تفرس أنهم الخوارج الذي حذر منهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهد من حالهم ما يدل على العجب والغرور وحب التصدر وهذا والله هو حال الخوارج في كل زمان إلى زماننا هذا كما نشاهده رأي العين. السبب الثالث : أن أثر سيدنا ابن مسعود لم يصححه أي حافظ من علماء الحديث قبل زماننا هذا بل على العكس ردوه بسبب مخالفته للنصوص الصريحة وبسبب ضعف إسناده . فمنهم من رده مباشرة لمعارضته للنصوص الصريحة كما فعل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى . قال الامام السيوطي رحمه الله تعالى في رسالة نتيجة الفكر في الجهر بالذكر قلت: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده، ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم، وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهي مقدمة عليه عند التعارض . انتهى ومنهم من صرح أنه أثر غير ثابت كما قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى. وقال الامام الألوسي رحمه الله في تفسيره روح المعاني 163/ 6 : وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجه من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ.انتهى كلامه. مطلب:حكم الذكر بعدد محدد أو وقت محدد الذكر على نوعين :وهما : الذكر المطلق ،والذكر المقيد. النوع الأول الذكر المطلق: وهو ما جاء الشرع بالأمر به ولم يحصره في عدد ولا وقت ولا حال بل هو جائز في كل وقت وحال .كما قال تعالى “يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً " وكما في الحديث الشريف “كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يذكر الله على كل أحيانه ” رواه الترمذي وغيره. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”بكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة….” وغيرها من نصوص الحث على كثرة التعبد لله تعالى مطلقاً . فالمطلوب هو كثرة الذكر دائما .كما أمر الله تعالى. وهذا هو الذي يحث عليه كثير من الصالحين ومنهم سيدي فضيلة الشيخ أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى. النوع الثاني الذكر المقيد : وهو على قسمين : القسم الأول :ما تقيد به المكلف لورود النص الشرعي الخاص تقييده. فمنه المقيد بحال المصلي كتسبيحات الركوع والسجود وأوراد دبر الصلاة المفروضة ونحو ذلك. فهذه الأذكار ورد الشرع بها ولا يوجد علة ظاهرة لتعيين العدد إلا محض التعبد ،أي أن الله تعالى أمرنا بها فأطعناه وإن لم نعلم أي علة لهذا العدد ولذا فلا بزاد فيها على ماورد به النص الخاص إلا بدليل. القسم الثاني :ما تقيد به المكلف ﻷسباب شرعية وهي على نوعين: النوع الأول:ما تقيد به المكلف بسبب النذر أو العهد أو الوعد . كطالب جامعي وعد معلمه بالمحافظة على ذكر لا اله الا الله في كل يوم مئة مرة . أو شاب وعد والديه وعاهد أن يحافظ على الاستغفار كل يوم مئة مرة في الصباح والمساء . أو رجل نذر أن يسبح كل يوم الف تسبيحة. فهؤلاء ينبغي لهم شرعا الوفاء بما قطعوا على أننفسهم من وعود أو نذر . قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) وقال تعالى : ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) ، وقال في مدح عباده المؤمنين (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) و قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم “مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ ، فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ ، فَلَا يَعْصِهِ ” .رواه البخاري ولا شك أن الذكر والاستغفار والتسبيح والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة . فمن نذر فعليه بالوفاء ليكون ممدوحا عند الله تعالى حيث قال عزوجل”يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا” ومن ينوي عند الوعد عدم الوفاء، فهذا هو المقصود بحديث: آية المنافق ثلاث وذكر منها: إذا وعد أخلف… متفق عليه. قال الامام النووي في كتاب المجموع شرح المهذب : أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، ……………إلى أن قال :فإن كان عند الوعد عازماً على أن لا يفي به فهذا هو النفاق . انتهى وقال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” يعني أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربَّكم، والعقود التي عاقدتموها إياه، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقًا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضًا، فأتمُّوها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها، ولمن عاقدتموه منكم، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم، ولا تنكُثُوها فتنقضوها بعد توكيدها. انتهى النوع الثاني من المقيد: هو ما تقيد به المكلف لأجل تحقيق مقاصد شرعية . فمعلوم أن كثرة الذكر في الشريعة الإسلامية مطلب شرعي مقصود بعينه . والإنسان لا يستطيع التوصل اليه الا باتخاذ الوسائل التي يتوصل بها لهذا المقصد العظيم . وحتى يتحقق هذا المقصد فهو يتخذ الوسائل التي يتوصل به إليه فمنها: التدرج: فيبدأ بالقليل حتى يصل إلى الكثير . ومنها المداومة والاستمرار . ومنها أن يلتزم بصحبة من يعاونه على الذكر. ومنها اتخاذ أوقات مناسبة له ليذكر فيها. و منها أن يحافظ على مقدار معين يعمله يوميا سواء قدره بزمن معين بمقدار ساعة أو أربعين دقيقة أو أكثر أو أقل أو قدره بعدد معين كأن يكون مئة أو ثلاثمائة أو أقل أو أكثر حتى يعتاد الانضباط ويتخلص من شهوة التفلت لكي يترقى في مدارج السالكين . فهذا التقييد بالعدد والزمن والصحبة والمكان هي مجرد وسائل لتحقيق مقصد شرعي معتبر وهو تماما كتحديد المدارس الشرعية لحصص دراسة الفقه والقرآن الكريم والعلوم الشرعية بزمن محدد في جميع المدارس فيخصصونها به حتى يستطيع الطالب والمعلم التوصل إلى المقصد المطلوب وهو إيصال العلم الشرعي بالتدرج والانضباط . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم” عمله ديمة” فهذا التقيد بالزمن أو العدد أو المكان هو وسائل مستحبة.والقاعدة الشرعية تنص على أن للوسائل أحكام المقاصد. كما قال العلماء رحمهم الله تعالى. والنظر في الوسائل يكون من جهة : هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أم لا؟ فيكفي في الوسائل أن يكون الشارع لم ينهى عنها وأنها لاتؤدي إلى معصية من المعاصي . ثم أننا لانحكم للوسائل بحكم منفصل عن الغاية المقصودة ، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا ، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة لم ينهى عنها الشرع بخصوصها. وبهذا يعلم المسلم أن الوسائل التي تعين على الذكر أو على النشاط فيه كالانشاد المباح أو الحركة أو نحو ذلك ماهي لا وسائل لم ينهى الشرع عنها بل هي من جنس الانشاد الذي كان يفعله أنجشة وعامر بن الأكوع وابن رواحةوغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.فالتعنت في الانكار لاينبغي إلا على منكر واضح. مطلب في ذكر مواقف أحدثت للتوصل إلى طاعة: في هذا المبحث سأذكر عدة مواقف تبين أن فهم السلف للبدعة ليس كما يفهمه المتنطعون في زماننا: الموقف الأول : إحداث الاجتماع لصلاة التراويح بعد أن تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنهم. وقد يقول جاهل أن عمر من الخلفاء الراشدين . وجوابه أنه لا شك في ذلك لكنه ليس معنى سنة الخلفاء الراشدين أن يحق لهم التشريع بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل معناه أنهم متمسكون بهديه وفهمه بالفعل وبذلك صاروا أسوة حسنة للمسلمين . فإذا علمنا ذلك علمنا أن فعل الوسائل التي تؤدي إلى مقاصد الشريعة هو من السنن الحسنة . ففي صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح ما نصه: “قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك”، قال الحافظ ابن حجر: “أي على ترك الجماعة في التراويح”. ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: “ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه”. وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال:خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: “نعم البدعة هذه”.ا.هـ. وفي الموطأ بلفظ: “نِعمت البدعة هذه”. قال الحافظ ابن حجر: “قوله قال عمر: “نعم البدعة” في بعض الروايات “نعمت البدعة” بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما إحداث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة”ا.هـ. ومراده بالأحكام الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام . الموقف الثاني: أخرج البخاري في صحيحه عن رِفاعة بن رافع الزَّرقي قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: “سمع الله لمن حمده”، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيراً طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: “من المتكلم” قال: أنا، قال: “رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول”. قال الحافظ ابن حجرفي الفتح في شرح هذا الحديث: “واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور” ا.هـ. الموقف الثالث: احداث حلق الوعظ والتذكير والعلم قبل صلاة الجمعة: فاحدثوا سنتين حسنتين هما :التحلق قبل الصلاة،وتخصيصه بيوم الجمعة. فقد كان السلف يخصصون هذا الوقت وذلك لما فيه من مصلحة اجتماع الناس ففي " المستدرك " ( 6173 ) عن عاصم بن محمد عن أبيه قال : " رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائما و يقول : حدثنا أبو القاسم رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم . فلا يزال يحدث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام للصلاة جلس ".قال ( 3/585 صحيح الإسناد و لم يخرجاه .و قال الذهبي في " مختصره " : صحيح . و في " مصنف " ابن أبي شيبة ( 5409 ) : حدثنا ابن مبارك عن أسامة بن زيد عن يوسف بن السائب عن السائب – رضي الله عنه - قال :" كنا نتحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ". و رواه أبو الشيخ في " طبقات المحدثين بإصبهان " ( 1275 ) . قال : حدثنا عبد الله بن أبي عمرو ، قال : ثنا هارون بن طريف المكي ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا أسامة بن زيد ، أن محمد بن يوسف ، حدثه أنه ، سمع السائب بن يزيد – رضي الله عنه - ، يقول : " كنا نتحلق يوم الجمعة قبل النداء الأول فإذا نودي للصلاة قمنا" ولا يعارضه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء و البيع في المسجد و أن تنشد فيه الأشعار و أن تنشد فيه الضالة و عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة " لأن له معنى بينه العلماء قال الامام النووي رحمه الله في " الخلاصة " ( 2/787 ) في ترجمة الحديث : ( باب النهي عن التحلق في الجامع قبل الصلاة إذا كان فيه تضييق على المصلين ، سواء التحلق للعلم أو غيره ) و قال الامام الطحاوي رحمه الله تعالى في " شرح معاني الآثار " ( 4/359 ) : التحلق في المسجد قبل الصلاة مما عمه من ذلك فهو مكروه ، و ما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه . الموقف الرابع: إحداث خبيب لصلاة ركعتين قبل القتل : ففي صحيح البخاري في غزوة الرجيع:“وكان خبيب هوقتل الحارث يوم بدرفمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته قالت وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكةيومئذ ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت .فكان أول من سن الركعتين عند القتل”رواه البخاري فتأمل في قوله فكان أول من سن الركعتين قبل القتل . فهل اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة ضلالة لأن الصحابي فعلها قبل أن تشرع ؟ أم أقر فعله بعد وفاة الصحابي الجليل رضي الله عنه لأنهم من المعروف أصلا أنها سنة حسنةلا تخالف الدين . الموقف الخامس: إحداث الأذان الأول للجمعة في عصر سيدنا عثمان رضي الله عنه لأنه وسيلة للتنبيه على اقتراب الوقت: وهذا العمل لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد سيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. عن السائب بن يزيد قال” كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء “رواه البخاري في صحيحه في باب النداء يوم الجمعة وقال:قال أبو عبد الله الزوراء موضع بالسوق بالمدينة.انتهى قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث :وفي روايته عند الطبراني” فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء ، فكان يؤذن له عليها ، فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول ، فإذا نزل أقام الصلاة “ وتبين بما مضى أن عثمان رضي الله عنه أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة..انتهى. فهكذا كان فهمهم للدين فليسوا ممن هواهم وديدنهم تبديع أهل السنة. الموقف السادس:تخصيص ابن مسعود يوم الخميس للموعظة والذكر: جاء في صحيح البخاري في كتاب العلم” كان عبدُ اللَّهِ يذَكِّرُ النَّاسَ في كلِّ خميسٍ . فقالَ لَهُ رجلٌ: يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ لودِدتُ أنَّكَ ذَكَّرتَنا كلَّ يومٍ ؟قالَ: أما إنَّهُ يمنعُني من ذلِكَ أنِّي أَكرَهُ أن أُملَّكم، وإنِّي أتخوَّلُكم بالموعظةِ، كما كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يتخوَّلنا بِها، مخافةَ السَّآمةِ علَينا.” فتخصيصه الموعظة للناس يوم الخميس لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة قد علموا أن الوسائل إلى الخير جائزة غير ممنوعة شرعا ما لم يرد نص صريح صحيح بالنهي عنها . أما الاستدلال بحديث “كل بدعة ضلالة ” على تبديع السنن الحسنة التي أحدثت لتحقيق مقاصد شرعية مطلوبة فهو عمل باطل واستدلال بدليل عام في غير مكانه. مطلب :ما كان من الدين فليس بدعة ضلالة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” متفق عليه. قال ابن رجب وألفاظه مختلفة ، ومعناها متقارب ، وفي بعض ألفاظه : ” من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد ” . وجاء في كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري الحنبلي رقم الحديث: 115 ساق بسنده عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ فَعَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لا يَجُوزُ فَهُوَ رَدٌّ ” . بهذه الألفاظ النصية يفهم معنى كل بدعة ضلالة فهي البدعة التي تخالف الشرع وتصادمه .أما الأعمال التي تؤيد الشريعة وتنصرها وتعين على العمل بها فليست بدعة مذمومة بل هي سنة حسنة وتأمل في هذه النصوص فهي تزيد يقينا بهذا فإن قوله عليه الصلاة والسلام (ما ليس منه) يكفي لفهم ذلك . فمن يزعم أن ذكر الله تعالى والاجتماع له والتعاون عليه أو اتخاذ الوسائل التي تعين على كثرة الذكر كالعدد والسبحة ونحوها من الوسائل ليست من الدين الإسلامي فقد غلط بلا ريب. وانظر إلى اللفظ الأخر للحديث الذي ساقه ابن بطة وهو “من فعل في أمرنا مالا يجوز ” فإنه يؤكد ذلك . ومفهوم هذه النصوص من عمل عملا لا يخالف الدين فهو منه وليس بمخالف للدين القويم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ» [رواه مسلم]. جاء في لسان العرب: وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه. وعلى ذلك فالسنة الحسنة هي: أن يعمل الإنسان عمل طاعة فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك. ومن السنة الحسنة أن يحدث الإنسان فعل شيء لم يسبق إليه مستنداً في ذلك إلى دليل شرعي عام ، ومنها أن تكون هناك سنة مهجورة تركها الناس، ثم فعلها شخص فأحياها، فهذا يقال عنه سنها، بمعنى أحياها . ومنها كذلك: أن يحدث المسلم شيئاً كوسيلة لأمر مشروع، فهذا لا يتعبد بذاته، ولكن لأنه وسيلة لغيره. ومن ذلك التقيد بعدد في الذكر يتوصل به إلى كثرة الذكر ومنه الاتفاق على وقت يجتمعون فيه لذكر الله تعالى وغيرها من الوسائل الشرعية في التعليم والدعوة ونحو ذلك. ولذا ثبت عن السلف هذا البيان فقال الإمام البيهقي في كتاب مناقب الشافعي :أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال حدثنا أبو العباس الأصم قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة, والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة.مناقب الشافعي (1/469). وقال الحافظ ابو نعيم في كتابه حلية الأولياء(حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبدالله بن محمد بن عبدوس العطشي ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا حرملة بن يحيى قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم) . فالبدعة الحسنة مقصودهم بها السنة الحسنة وإنما سميت بدعة بمعنى البدعة اللغوية فهذا هو فهم أهل السنة جزاهم الله خيرا. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لهإ رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأحد، 7 ديسمبر 2014

من جواهر التوحيد الكلام عن صفة الوجود

الدرس الثالث عشر: من الكماﻻت التي يجب إثباتها لله عزوجل إثبات عشرين صفة: وقد قسمها العلماء إلى اربعة أقسام وهي: القسم اﻷول:الصفة النفسية وهي صفة واحدة وهي الوجود. القسم الثاني:الصفات السلبية:وأصولها خمس صفات ثابتة لله تعالى وفي اثباتها سلب لضدها من الصفات الباطلة . القسم الثالث:صفات المعاني: وهي سبع صفات . القسم الرابع: الصفات المعنوية. ------------------- أوﻻ الصفة النفسية :وهي الوجود: فالله تعالى ﻻيجوز عليه العدم أزﻻ وأبدا بل هو واجب الوجود. ووجوده غير معلل بعلة أي أنه لم يؤثر في وجوده شيء سبحانه وتعالى .فوجوده تعالى ذاتي بخﻻف وجود المخلوقات ﻷن وجودها بفعل فاعل فعلهاوهو ربنا عز وجل فأوجدها بعد العدم. وصفة الوجود هي تدل على نفس ذات موﻻنا عز وجل ولذلك سميت صفة نفسية أي تدل على نفس الذات . ووصف الوجود ليس كصفات المعاني قائمة بالذات بل هو حكم لها. ومعناه: أن الله موجود . والدليل على وجود الله تعالى أدلة نقلية وعقلية فمن اﻷدلة النقلية : في سورة اﻷنعام قال الله تعالى "ذلكم الله ربكم ﻻ إله هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل " وقال تعالى في سورة البقرة "إن في خلق السموات واﻷرض واختﻻف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به اﻷرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء واﻷرض ﻵيات لقوم يعقلون" ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ في سورة الجاثية "إن في السموات واﻷرض ﻵيات للمؤمنين *وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون* واختﻻف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به اﻷرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون" 44 واما البراهين العقلية : فمن تأمل في النصوص القرآنية عرف أن الله أمر بالتفكر في المخلوقات لينتج عن هذا التفكر ثمرات عظيمة وأساسها في ثمرتين: الثمرة اﻷولى :أصل اﻹيمان بوجود الله تعالى وبصفاته العظيمة كالقدرة واﻹرادة والعلم . والثمرة الثانية:كمال اﻹيمان :وهو زيادة اليقين وذلك بزيادة الدﻻئل . فأما أصل اﻹيمان وهو مبحث العقيدة في هذه الدروس : فبيان ذلك أن من نظر في هذه المخلوقات ومنها اﻹنسان وجد أنها حدثت بعد عدم وأنها تتغير من حال إلى حال .والتغير هو انعدام وصف وحدوث وصف بعد عدم وهذا العدم والوجود يحصل للذوات والصفات . فمالذي رجح كفة الوجود على كفة العدم ؟! فنحن رأينا بأعيينا أشياء كانت عدما منها اطفالنا واعمالنا ثم أوجدت بعد ذاك العدم فمن الذي رجح كفة الوجود على العدم ؟ﻻ شك أن هناك سبب لذلك ﻷنه من المستحيل رجحان كفة على كفة بدون مرجح . ويستحيل أن يكون هذا المرجح للكفة شيء حادث أيضا وإﻻ لزم افتقاره إلى مرجح آخر فيتسلسل هذا اﻻحتمال لغير بداية . ويستحيل الدور وهو أن يكون وجود الشيء متوقف على وجود نفسه ﻷنه يلزم أن ﻻ يحصل أي وجود لشيء . فإذن ﻻبد من شيء وجوده غير متوقف على شيء آخر وأن يكون قديما غير حادث وهذا الشيء هو الفاعل لكل حادث .ونحن نؤمن بهذا الشيء وهو الله جل جﻻله كما تواتر عن الرسل الكرام المؤيدون بالمعجزات الباهرة عليهم الصﻻة والسﻻم . فتغير الشمس والقمر والسموات واﻹنسان هو أعظم برهان على عدم كونها أربابا ﻷن التغير يدل قطعا على الحدوث. فالتغير هو حدوث شيء أو فناءه. مثاله :اﻹنسان كان عدما ثم حدث بعد العدم فكان نطفة ثم تغير من نطفة إلى مضغة ثم تدرج في التغير حتى صار قويا ثم ضعيفا فﻻ شك بأن هذا التغير بجميع مراحله حادث بعد عدم . والشمس تتغير وسبب حكمنا بالتغير هو حركتها التي يدل عليه أفولها وحرها وبردها والذي خصصها بحجم ولون وغيرها من اﻷعراض وكل متغير حادث وكل حادث ﻻبد له من فاعل أوجدها ويتصف بقدرة واردة وعلم وحياة . 45 إذن نسنتج نتيجتين أساسيتن : النتيجة اﻷولى :أن الله تعالى أنعم على اﻹنسان بنعمة العقل وحثه على التفكر في ما بستطيع التفكر فيه وهي اﻷمور التي يراها بعينه ويسمعها بإذنه أو يذوقها بلسانه أو يلمسها أي ما يتصل بالحواس الخمس .فنظر في الطبيعة سماءها وارضها وشمسها وقمرها ونجومها وفي اﻹنسان من حين نشأته الى مماته .وفي اختﻻف المطعومات في طعمها والملموسات في نعومتها وغلظها والمشمومات بأنواعها والمسموعات بأجناسها .فمن تفكر وجد أن جميعها حادثة مخلوقة بدليل أنها تتغير من عدم الى وجود ومن وجود إلى عدم . ومن صفة الى صفة . وأنها محتاجة مفتقرة إلى غيرها .وأن هذه الحادثات لها أشكال بديعة في اﻹتقان ولها أوزان ونسب مخصصة وأنها مسخرة تجري على نسق منتظم . فأخذ من ذلك القواعد التالية : القاعدة اﻷولى :أن التغير يدل قطعا على الحدوث فكل متغير حادث. القاعدة الثانية:أن التغير يدل على النقص واﻻفتقار ﻷنه إما تغير من نقص إلى كمال فإذن كان ناقصا واما من كمال إلى نقص فهو على كﻻ اﻻحتمالين يكون حادثا . القاعدة الثالثة:أن كل من اتصف بصفة حادثة فذاته حادثة قطعا . القاعدة الرابعة:أن الحدوث والتغير يدل على اﻻفتقار إلى الغير في اﻹيجاد واﻹمداد . القاعدة الخامسة :أن الفاعل للحادثات ﻻبد أن يكون مخالفا لها في جميع ذواتها وصفاتها .فلو اتصف بصفة من صفات المخلوقات فهو أيضا حادث مخلوق . القاعدة السادسة :أن هذا الشيء الفاعل الذي ليس بحادث ﻻبد أن يكون واحدا فقط ﻻ شريك له وﻻ معاون ﻷنه الشراكة والمعاونة تدل على اﻻحتياج للغير وهذا وصف الحوادث . القاعدة السابعة :أن هذا القديم ﻻبد أن يكون متصفا بصفة القدرة واﻹرادة والعلم والحياة . القاعدة السابعة :أنه دائم باق بذاته وصفاته ﻻينعدم وﻻ يفنى .فكل ما ثبت قدمه فيستحيل عدمه . النتيجة الثانية :أنها تواترت اﻷخبار القطعية أن هذا الشيء الواجب الوجود الذي يفتقر إليه كل حادث هو الله عز وجل المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص فآمنا به يقينا ﻻ شك فيه فنسأل الله الثبات على الحق في جميع العوالم . آمين . 46

الأحد، 30 نوفمبر 2014

زيارة قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام وقبور المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه:

زيارة قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام مستحبة شرعا  وهي ليست خاصة ببلد دون بلد بل هي عامة لجميع المسلمين .
ويدل على مشروعية زيارة رسول الله عليه الصلاة والسلام بمجيء قبره الكتاب والسنة والإجماع وفعل الصحابة رضي الله عنه.
ولا يمكن أن يعمل المسلم هذا الأمر الشرعي إذا كان يبعد عن المدينة مسافة سفر إلا بالسفر ،ولذا كان الصحابة ومن أتى بعدهم من المسلمين يعملون بذلك على مر السنين إلى يومنا هذا .
وهذه بعض الأدلة على استحباب زيارة قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام.
 الدليل الأول :الإجماع: قال القاضي عياض المالكي رحمه الله تعالى في كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام 2/71 ( و زيارة قبره صلى الله عليه و سلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها و فضيلة مرغب فيها . انتهى

 وقال الإمام الوزير ابن هبيرة الحنبلي في الإفصاح 1 / 297 ( واتفقوا على استحباب زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما المدفونين معه ، وندبوا إليه ) اه
 وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/66 : (زيارة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع ) اه

 ثانيا : الآيات من القرآ ن الكريم : ومنها قوله تعالى في سورة النساء ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ... ) قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العُتْبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خيرَ من دُفنَت بالقاع أعظُمُه ... فطاب منْ طيبهنّ القاعُ والأكَمُ ... نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ ... ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عُتْبى، الحقْ الأعرابيّ فبشره أن الله قد غفر له.انتهى بتمامه من تفسير ابن كثير.

وكذلك ذكر القصة الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية . وساق الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية في سورة النساء الكثير من الأحاديث والآثار التي تحث على زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي معجم الامام الطبراني 9/220 : ( عن عبد الله بن مسعود قال: إن في النساء لخمس آيات ما يسرني بهن الدنيا وما فيها , وقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها وذكر منها : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما }) اه قال الهيثمي 7/71 : (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) اه ففرح ابن مسعود بهذه الآية ظاهر في أنه عامة

 ثالثا : الأحاديث الواردة : فمنها ماجا في سنن الترمذي في باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة "وفي الباب عن أبي سعيد وابن مسعود وأنس وأبي هريرة وأم سلمة قال أبو عيسى حديث بريدة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور بأسا وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق . انتهى كلام الإمام الترمذي.

ولا شك أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في الأمر بزيارة القبور وكذا الصحابة وجميع الصالحين رضي الله عنهم

 وكذلك الأحاديث الواردة :في خصوص زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وهي من فضائل الأعمال التي جاءات النصوص بالترغيب فيها فمن الأحاديث الشريفة:

 عن عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من زار قبري- أو قال: من زارني- كنت له شهيدًا- أو شفيعًا- ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله- عز وجل- في الآمنين يوم القيامة". قال الحافظ البوصيري في اتحاف الخيرة حديث رقم[2691]:رواه أبوداود الطيالسي بسند ضعيف لجهالة التابعي، ورواه البزار بزيادة طويلة، ورواه البيهقي وقال: إسناد مجهول، وله شاهد من حديث سبيعة رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير بسند صحيح.انتهى ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما : في المعجم الكبير 12/291 الأوسط 5/16 عن ابن عمررضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" : من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة " اه
قال السبكي في شفاء السقام ص 16 : صححه ابن السكن

 ومنها:في سنن الدارقطني 2/278 " عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " قال الحافظ الذهبي : طرقه كلها لينة لكن يتقوى بعضها ببعض لأن ما في روايتها متهم بالكذب قال ومن أجودها إسنادا حديث حاطب ) انتهى

 ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه: في سنن البيهقي5/246 عن عبد الله بن عمر قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي" قال الحافظ الهيثمي 3/666 : ( رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حفص بن أبي داود القارئ وثقه أحمد وضعفه جماعة من الأئمة ) اه

 وحديث ابن عمر أيضا : ففي سنن الدارقطني 2/278: (عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زار قبري وجبت له شفاعتي ) اه وهذا الاِسناد صحيح، رجاله ثقات، بلا خلاف، وإنّما وقع الكلام في عبيدالله بن عمر، وهو ثقة أيضاً، غير أنّ بعضهم رواه عن عبدالله، أخي عبيدالله، وهو دون أخيه، وبهذا تمسّك من ذهب إلى تضعيف الحديث.غير أنّ الثابت في جميع نسخ سنن الدارقطني «عبيدالله» مصغّراً، وهكذا رواه الدارقطني في غير السنن أيضاً .

ومنها حديث أنس رضي الله عنه : ففي شعب البيهقي 3/489 : " عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة " اه وفي 3/490 بلفظ ( من زارني محتسبا في المدينة كان في جواري يوم القيامة )اه وفي تلخيص الحبير 2/267 : ( عن أنس أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب القبور قال نا سعيد بن عثمان الجرجاني نا بن أبي فديك أخبرني أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك مرفوعا من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة وسليمان ضعفه بن حبان والدارقطني ) اه

وقد صحح أحاديث الزيارة بمجموع طرقها طائفة من أهل العلم قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 2/267 : طرق هذا الحديث كلها ضعيفة لكن صححه من حديث ابن عمر أبو علي بن السكن في إيراده إياه في أثناء السنن الصحاح له وعبد الحق في الأحكام في سكوته عنه والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع الطرق ) اه وفي المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي ص684: قال الذهبي : طرقه كلها لينة لكن يتقوى بعضها ببعض لأن ما في روايتها متهم بالكذب قال ومن أجودها إسنادا حديث حاطب .انتهى

رابعا فعل الصحابة: فمنه :أثر الخليفة الراشد سيدناعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند ابن عساكر عن علي قال ( من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جواره ) وفي إسناده عبد الملك بن هارون قال الإمام أحمد: عبدالملك ضعيف كما في ميزان الاعتدال للذهبي.

 وقصة سيدنا بلال :رضي الله عنه: ففي تاريخ دمشق لابن عساكر 2/256 عن أبي الدرداء قال لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يقره به ففعل ...ثم إن بلالا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني فانتبه حزينا وركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ... ) اه وذكر القصة المزي في التهذيب في ترجمة بلال وقال السبكي في شفاء السقام ص 39 : ( روينا ذلك بإسناد جيد ولا حاجة إلى النظر في الاسنادين اللذين رواه ابن عساكر بهما، وإن كان رجالهما معروفين مشهورين ) وذكره السمهودي في وفاء الوفاء 2 /408 وقال : سند جيد ) وقال الشوكاني في نيل الأوطار3/105: وقد رويت زيارته صلى الله عليه وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عند ابن عساكر بسند جيد .
و كان فعل بلال رضي الله عنه بمحضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير نكير بل باستحسان منهم انظر اُسد الغابة 1 : 307 ـ 308، ترجمة بلال بن رباح، وأخرجه ابن عساكر في ترجمة بلال أيضاً، وفي ترجمة إبراهيم بن محمد الاَنصاري، انظر: مختصر تاريخ دمشق 4 : 118 و 5 : 265، وتهذيب الكمال 4 : 289|782.

 ومنهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أاتفق الحاكم والذهبي على صحة الخبر المروي في زيارة أبي أيوب الاَنصاري قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام ولاية مروان على المدينة، أي قبل سنة 64هـ، إذ أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ مروان برقبته، ثمَّ قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه، فإذا أبو أيوب الاَنصاري، فقال: نعم، إنّي لم آتِ الحَجَر، إنّما جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم آتِ الحَجَر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله» صححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 4 : 560|8571، والذهبي في التلخيص على المستدرك وهو مطبوع في حاشية الصفحة.

 أثر عمر وكعب الأحبار : في فتوح الشام : ( لما صالح عمر أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح عمر بإسلامه قال له عمر رضي الله عنه : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته فقال كعب : أفعل ذلك يا أمير المؤمنين فلما قدم عمر المدينة أول ما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اه من شفاء السقام ص 56

ومن التابعين: عمر بن عبدالعزيز استفاض عن عمر بن العزيز أنّه كان يبرد البريد من الشام ليسلّم له على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . نقل ذلك أبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم النبيل، المتوفى سنة 280هـ في كتابه «المناسك» وقد جرّده من الاَسانيد ملتزماً فيه الثبوت.

 الرد على المعترضين :
 أولا: رغم اجماع المسلمبن على استحباب زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنك تجد في زماننا من يقلد من خالف الإجماع ويزعم أن الإمام مالك كان يحرم الزيارة فلا إجماع ! وهذا غير صحيح قال الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ ادبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب .

 ثانياً: لهم شبهة قائمة على فهم خاطئ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الاَقصى». فقال هؤلاء: هذا يعني أنّ السفر إلى غير هذه الاَماكن الثلاثة بدعة وحرام! وأنّ السفر بأي قصد غير قصد هذه الاَماكن الثلاثة تعظيماً، والصلاة فيها حرام!! وهذه الشبهة مردودة؛ أولاً: بالأدلة السابقة . 
↩ومردودة بالحديث الذي تمسكوا به نفسه. فالحديث يقول: «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد». والاستثناء هنا يعود إما إلى المساجد، فيكون المعنى: لا يجوز شدّ الرحال لشيء من المساجد تعظيماً لها، إلاّ المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث.. وهذا هو الراجح، لاَنه لا يتعارض مع أوامر الشريعة، فلو قلنا لايجوز السفر لأي مكان لأدى إلى سد باب السفر للتجاره وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها وهذا يتعارض مع الشريعة وواقع السيرة النبوية الشريفة وسيرة المسلمين.

وكذلك لو قالوا أن المقصود هو تحريم السفر لبقعة بخصوصها إلا المساجد الثلاثة . فهذا كلام لا فائدة فيه لأن السفر ليس لأجل البقعة التي دفن فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام أو غيره من المسلمين بل السفر لزيارة المسلم المدفون في هذه البقعة .ومثله تماما السفر لمشفى من المشافي فهو ليس لأجل البقعة أو المكان بل لأجل المريض الذي يراد السفر لزيارته. .قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقال السبكي الكبير ليس في الأرض بقعه لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثه ومرادى بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكما شرعيا وأما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات قال وقد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثه داخل في المنع وهو خطا لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه فمعنى الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الامكنه لأجل ذلك المكان الا إلى الثلاثه المذكورة وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان . انتهى

 فائدة:اختلف العلماء في حرف لا الوارد في الحديث هل هي لا الناهية أو لا النافية والصحيح أنها لا النافية قال الإمام ابن قدامة في المغني: وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» فيحمل على نفي الفضيلة، لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر، ولا يضرّ انتفاؤها. المغني 2 : 103. والمراد بنفي الفضيلة هو أن المساجد الاَخرى متساوية في الفضل، فلا معنى لتفضيل بعضها على بعض . وقال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في آداب السفر في كتاب احياء علوم الدين: القسم الثاني أن يسافر لاَجل العبادة، إما لجهاد، أو حج.. ويدخل في جملته زيارة قبور الاَنبياء عليهم السلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والاَولياء، وكل من يُتبَرّك بمشاهدته في حياته يُتبرك بزيارته بعد وفاته. ويجوز شد الرحال لهذا الغرض، ولا يمنع من هذا قوله عليه السلام : «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الاَقصى» لاَن ذلك في المساجد، فإنها متماثلة بعد هذه المساجد..انتهى

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

تحذير الجهوية من مزالق الحلولية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه: إن المعتقدين لعقيدة الجهة يتفقون مع أهل السنة والجماعة على تأويل النصوص التي توهم حلول الله في الأرض وتوهم قربه الذاتي من المخلوقات واعتقاد أن الله يحل في الأرض بذاته وهذه العقيدة الفاسدة تسمى عقيدة الحلولية وقد فهموها من النصوص الشرعية بفهومهم الردية فمن هذه النصوص : ___________ يقول الله تعالى ((ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍإِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَمَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) فالثلاثة شيء مجتمع محسوس والله سبحانه هو الرابع معهم فالحلولية الكفار فهموا أن الله تعالى يحل بذاته في الأرض وأنه مع المخلوقات بذاته فيحمل على الحقيقة وهي المعية الحسية لأن الأصل في الكلام الحقيقة . ولهذا الفهم الباطل أجمع المسلمون على خروج الحلولية من الإسلام . أما أهل السنة وجميع المسلمون حتى الجهوية الذين يعتقدون أن الله سبحانه في جهة فجزموا أن تفسير الحلولية لهذه النصوص باطل . وقالوا الحق أن معناها أنه عليم بهم فهي معية علم وليس معناها أنه معهم بذاته . وأيضا قوله تعالى ((وهو معكم إذ تبيتون مالايرضى من القول)) ليست معية حسية كما فهم الحلولية بل معناها أنه يعلم بهم وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} معناها بالتأييد والنصرة لهم وليس معناها أن حل معهم بذاته. وقوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن} وقوله تعالى {فلما أتاها نُودِيَ من شَاطِئِ الوادِ الأَيْمَنِ في البُقعَةِ المُبَارَكِةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله ربُّ العالمين} معناها أن سيدنا موسى عليه السلام سمع النداء في ذلك المكان وليس معناها أن الله سبحانه حل في وادي طوى . وقوله سبحانه وتعالى "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16]، وقوله تبارك وتعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاتُبْصِرُونَ" معناها قرب علمه وليس ذاته فالوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه ، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه ، وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء. وإذا ثبت تنزيه الرب تعالى عن الحيز والجهة والقرب الحسي والبعد العرفي وجب تأويل ذلك على ما يليق بجلاله وهو قرب علمه ورحمته ولطفه ويؤيده قوله تعالى ((إن رحمت الله قريب من المحسنين)) أو قرب المنزلة عنده كما يقال السلطان قريب من فلان إذا كانت له عنده منزلة رفيعة. واستدل الحلولية بالأحاديث الدالة على ماذهبوا إليه من ضلالة فمنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم "اربعوا على أنفسكم إنكم لاتدعون أصماًولاغائباً إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في المصلي "إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه" خرجه البخاري برقم (450) فكل هذه النصوص فهمها الحلولية فهما باطلا جعلهم يعتقدون بحلول الله سبحانه في الأماكن والجهات السفلية مع مخلوقاته. وكما أن هذه النصوص لايجوز أخذها على ظاهرها للأدلة النقلية والعقلية الدالة على استحالة ذلك لأن حلول الله تعالى في مخلوقاته نقص ينزه الله تعالى عنه. وهذه النصوص من المتشابه ولا يجوز الأخذ بالمتشابه في تقرير العقائد القطعية ،وقد تقررقطعاً أن الله تعالى منزه عن كل نقص ،وأن الله تعالى له الكمال المطلق ،وأنه لا يشبهه شيء من مخلوقاته كما قال تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا) أي يساميه في ذاته وصفاته وقال تعالى "ولم يكن له كفوا أحد" وإذاقيل بحلول الله تعالى في خلقه فهذا يعني أنه محدود والمحدود جسم له أبعاد بلا ريب،فهذا الفهم يؤدي إلى أن الخالق سبحانه وتعالى يشبه مخلوقاته ولو بوجه من الوجوه .!وهذا نقص عظيم ومناقض للنّصوص المبيّنة لكون الله تعالى ليس له ند ،ولا مثيل ،ولا سمي يساميه في ذاته وصفاته ،ولا كفأ له سبحانه جل شأنه. ونحن نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود قبل خلق هذا العالم وأنه قديم أزلي وأن من أخص خصائصه أنه لايتغير ولايتبدل ،لأنه إما أن يتغير من نقص إلى كمال ،أو من كمال إلى نقص والنقص لايجوز على الله تعالى قطعاً وحلوله في مخلوقاته يدل على أنه يتغير سبحانه وتعالى عن ذلك والتغير حدوث والحادث مخلوق وليس بخالق. ثم إن تأويل هذه النصوص تأويلا صحيحا يليق بالله تعالى ممكن بلاريب فإذن لا يجوز التمسك بمعناها الظاهر،بل لها تأويل يليق بالله تعالى وهو سائغ في لغة العرب. ____ ____ فهو مع خلقه جميعا بعلمه بهم ،ومع المؤمنين بحفظه لهم ونصرته لهم وليس المقصود معية حسية. لأن الأدلةالقاطعة قد دلت أن الله موجود قبل كل شيء ولا يتغير ولا يتبدل ولا يشابه خلقه ولذافلا يتصف بالجسمية ولا يحصره شيء سبحانه وتعالى ولا يحويه مكان ولا غيره. ____ وكما أن الجهوية يجزمون بعدم جواز تفسير هذه النصوص على ظاهرها لما يؤدي إليه من بدعة وضلالة فكذلك يلزمهم أن ينتهوا عن تفسير النصوص الأخرى التي فهموا منها حلول الله في العرش وفي الجهة الحسية لما تؤدي إليه من بدعة وضلالة. فإن فهم النصوص فهمايناقض الأدلةالنقلية القطعية هو سبب للزيغ والضلال كما ضل الحلولية . وعليهم بالتوبة والرجوع إلى عقيدة أهل السنة التي عليها المسلمون على مر السنين السالفة.

السبت، 16 أغسطس 2014

مراتب الدين الثلاثة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه امابعد: نعتقد يقينا أنه بعد بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فإن الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يقبله الله من العباد ولا يقبل من الناس دينا سواه ولذا قال الله تعالى﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اْلإِسْلاَمِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ اْلخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] . وقال الله تعالى ﴿اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ وَرَضِيْتُ لَكُمُ اَلإِسْلاْمَ دِيْناً﴾ [المائدة: 3] . و أركان الدِّين الاسلامي ثلاثة أركان كما في حديث سيدنا جبريل عليه السلام. أحدهما علم اعتقادي يعتقده العبد والآخران عمل يعمله العبد من أعمال القلوب والجوارح . وقد قامت مدراس أهل السنة والجماعة بهذه العلوم الثلاثة على أكمل وجه وكان لكل علم منها رجاله الذين تخصصوا في كتابته وتعليمه على مر السنين : الأول: ( الإيمان )، وهو يسمى العقيدة أو التوحيد أوالفقه الأكبر ونحوها . قال رسول الله عليه الصلاة والسلام الإيمان ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) رواه مسلم ولأهل السنة والجماعة مدرستين تخصصت في تعليم عقيدة أهل الحق وهي المدرسة الأشعرية نسبة للإمام أبي الحسن الأشعري والعقيدة الماتردية نسبة للإمام أبي منصور الماتريدي الحنفي رحمه الله . قال الإمام السّبكي رضي الله تعالى عنه:" وهؤلاء الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة وفضلاء الحنابلة _ ولله الحمد _ في العقائد يدٌ واحدة، كلّهم على رأي أهل السنّة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنّة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفيّة والشّافعيّة لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم .. وبالجملة: عقيدة الأشعري: هي ما تضمّنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقّاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة ."اهـ[معيد النعم:62]. انتهى الثاني: ( الإسلام )، وهو المصطلح عليه باسم: الفقه. أو فقه الفروع ولأهل السنة فيه مدارس فقهية أربعة تسمى مذاهب أهل السنة الفقهية وهي مذهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة. وفيه يتعلم المسلم أحكامة الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من الأعمال الظاهرة التي تتعلق بالجوارح .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) رواه مسلم الثالث: ( السعي للتحقق بمرتبة الإحسان )، وهو المصطلح عليه باسم: التصوف ولأهل السنة فيه طرق مشهورة منها الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية والنقشبندية .قال رسول الله عليه الصلاة والسلام الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . فالعقيدة هي الأساس الذي لا يمكن أن يتحقق غيره بدونه . وقد قام على أصول ستة وهي :الإيمان بالله ،وملائكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم الأخر ،والقدر خيره وشره.فالمؤمن يؤمن بكل ذلك والكافر لا يؤمن بكل ذلك أولا يؤمن ببعضه. قال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]. وقال تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 136]. وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أصل الإيمان فقال: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه} [رواه مسلم]. إذن أصول العقيدة ستة تبحث عند أهل السنة في ثلاثة مباحث .مبحثان يمكن إثباتهما بالدليل الشرعي والعقلي .وهما : المبحث الأول :الإلهيات :وهو الكلام عن الله تعالى وصفاته وأفعاله جل جل جلاله ومنها الكلام عن مسألة القدر خيره وشره والكلام عن كتب الله تعالى .فندرج فيه ثلاثة أركان من أركان الإيمان الستة . المبحث الثاني: مبحث النبوات :وهو الكلام عن الأنبياء عليهم السلام وما يجب أن نثبته لهم وما يستحيل نسبته لهم وما يجوز عليهم .فهو كلام عن أصل واحد من أركان الإيمان الستة . المبحث الثالث :السمعيات:وهي التي تثبت فقط بالدليل الشرعي وهو الكلام عن الملائكة عليهم السلام واليوم الآخر وما فيه من مسائل غيبية والقبر وعذابه ونحو ذلك كما سيأتي بيانه.فهو كلام عن أصلين من أصول الإيمان الستة .