مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

شرح الصلاة المشيشية

بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الصلاة المشيشية .

الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا الخاتم محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فقال الله تعالى في وصفه حبيبه النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا))(الأحزاب: 45)
وقال تعالى مخاطباً أمته ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)) ويجوز الصلاة والسلام عليه بأي صيغة تدل على تعظيمه وتوقيره وإنزاله منزلته الآئقة به صلى الله عليه وسلم ،ولذا قال سيدنا الإمام عبدالسلام بن مشيش الصلاة المشهورة بين المؤمنين بالصلاة المشيشية ،وهذا شرح مختصر لها لتعم الفائدة وأسأل الله تعالى أن يقبل من القائل والناقل والشارح والناشر لها والقارىء لها وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الشرح

(اللَّهُمّ َصلِّ) وسلَّم بِفَيْضِ جُودِكَ الواسع الممْدُود (عَلى) خليلك وحبيبك خاتم الأنبياء وسيد الخلق سيدنا محمد الذي (مِنْهُ انْشَقَّت الأَسْرَارُ) الغيبية التي تصفو بها الأرواح من دياجر الظلمات وتنشرح بها الصدرور فترتقي في المقامات (واَنْفَلقَتِ الأَنْوَارُ) التي استنار بها الكون كله بعد ظلمة الجاهلية كما قال الله تعالى في وصف الحبيب صلى الله عليه وسلم )قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ) (المائدة: 16)، وقال الله تعالى ((وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ))(الأحزاب: 45)، (وَفََيه ارْتَقَتِ الحَقَائِقُ) أي علت علوم المعرفة بالله تعالى فكل يغرف منها على قدر إيمانه وتصديقه وإخلاصه ومراقبته لله جل جلاله . (وَتَنََزَّلَتْ عُلُومُ آَدَمَ فأعْجَزَ الخلائقَ)) أي أعطيت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العلوم التي أعطاها الله تعالى لسيدنا آدام عليه السلام وأكثر من ذلك كما أرشدنا لذلك مولانا عز وجل حيث قال تعالى )وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً( (النساء: 113) فأعجز الخلق بلوغُ مرتبة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم فصاروا كلهم تحت لواءه كما جاء عن سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا أيسوا ، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، ولا فخر». أخرجه الترمذي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ومامن نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي )) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وكما قال ((إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ...فأنا خيركم بيتاً ،وأنا خيركم نفساً)) رواه أحمد والترمذي وهو في مشكاة المصابيح برقم 5757
(وله تضاءلت الفُهومُ) هي العقول والألباب فقد تضاءلت وهي عظيمة امام فهمه صلى الله عليه وسلم جاء في جامع الأصول برقم 6330 – فيما أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : « بعثت بجوامع الكلم..».قال الإمام البخاري: بلغني أن جوامع الكلم : أن الله عز وجل يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد أو الاثنين. أخرجه البخاري، ومسلم.
(فلم يُدركْه منا سابقٌ) ممن سبقه من الأنبياء والرسل فكيف بمن دونهم من الخلق (ولا لاحقٌ) من أمته فضلاً عن غيرها من الأمم فكل الأمم سابقهم ولا حقهم لايستطيعون إدراك منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فضل الله على حبيبه صلى الله عليه وسلم . (فرِياضُ الملكوتِ بزَهْرِ جَمَالِهِ مُونِقَةٌ) أي عالم الغيب المسمى بعالم الملكوت بزهر جمال النبي صلى الله عليه وسلم الحسي والمعنوي مونقة (وحِياضُ الجَبَرُوتِ بِفَيْضِ أَنْوَارِه مُتَدَفِّقَةٌ) والجبروت مأخوذ من الجبر وهو القهر والتصرف، فهذا العالم يخضع لأنوار الحق التي أمد الله بها رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى بسط العدل والرحمة والرأفة بين الناس وقهر الجبابرة بإذن الله تعالى فخضعوا له وآمنوا به واتبعوه ،ومن خالفه قصمه الله تعالى وأذله(ولاشيْءَ إلا وهُوَ به مَنُوطٌ) فلا يمكن للإنسان أن يطيع الله تعالى إلا بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى ((من أطاع الرسول فقد أطاع الله))ولا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وتوقيره ،ولا يمكن أن يعلم من علوم الشريعة إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يفتح باب الجنة لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ،ولا يشفع للخلق عند الله تعالى إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تفضلاً من الله وإكراماً وإظهاراً لفضله على الخلق أجمعين (إذ لولا الواسِطةُ) التي جعلها الله تعالى لوصول العلوم والمعارف والترقي الروحي (لذهبَ كما قِيلَ المَوْسُوطُ) فلن يصل هذا المسوط إلا بتلك الواسطة العظيمة فالنبي صلى الله عليه وسلم هو مقسم هذه الأرزاق المعنوية على قدر تمسك الناس باتباعه ومحبته كما قال صلى الله عليه وسلم "إنما أنا قاسمٌ والله يعطي" رواه (البخاري ومسلم) وكما قال الله تعالى ((ولَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا( (النساء: 94). (صلاةً تليقُ بكَ) من حيثُ صفات الكمال فأنت يا ربنا جزيل العطاء عظيم الكرم ، (منْكَ) ياعظيم يا كريم لا من غيرك تفضلت بها (إليه) صلى الله عليه وسلم إكراماً لعبدك وخليلك وحبيبك وخاتم رسلك صلى الله عليه وسلم سلاماً تامًا يليق بك كما أنت أهله فأنت أهل الجود والإكرام ووافر الإنعام ، ويليقُ به صلى الله عليه وسلم (كَمَا هُو أَهْلُه) فهو أهلاً لهذا المقام لأنه أفضل خلقك وخليلك الذي اصطفيته واجتبيته وقدمته على سائر الخلق أجمعين ،ولا يعلم كمال قدر النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه إلا الله تعالى (اللهم إنه سِرُّك الجامعُ) أي أن الله تعالى جمع فيه جميع الكمالاتِ الإنسانيةِ في العلم والخلق كما قال تعالى )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم( (القلم: 4) (الدالُّ عليك) بقوله وفعله وأخلاقه ظاهراً وباطناً المؤيدُ منك بشهادة )وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُه( (المنافقون: 1) )مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه( (النساء: 80)، (وحجابُك الأعظمُ) فهو حجاب لمن اتبعه فيحول بينهم وبين دخول النار، وحجاب عن سخط الله تعالى ،كما أنه حجاب للخلق أجمعين عن استمرار الغضب الذي يلاقونه في الموقف العظيم فيكون شفيعاً لهم ، كما أنه حجاب من كفر بالله عن دخول الجنة، وحجاب عن وصول الدعاء إلا بالصلاة عليه كما جاء مرفوعاً وموقوفاً ((كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ))رواه النسائي والبيهقي وابن حبان .ولا يمكن الوصول إلى مرضاة الله تعالى إلاباتباعه ومحبته كما قال تعالى )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ( (آل عمران: 31) (القائمُ لك بيْن يَدَيْكَ) بتمامِ العبوديةِ بقوله وفعله واعتقاده ليكون عبداً شكوراً . فصلى حتى تورمت قدماه فقيل يارسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلا أكون عبداً شكوراً)) (اللهم أَلْحِقني بِنَسَبِهِ) وذلك بأن أكون من الأتقياء كما قال صلى الله عليه وسلم ((آل محمد كل تقي )) فهذا النسب الذي يريده المؤمنون الجِسْماني، واما آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون فقد لحقوا بنسبه النافع لهم خاصة كما جاء في الحديث "كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطع يوم القيامة ،إلا سببي ونسبي" رواه الطبراني والبيهقي (وحققني) باطناً وظاهراً وروحاً وجسداً (بِحَسَبِهِ) والحسب هو الخير فوفقني للتخلق بأخلاقه ،واجعلني من المقتفين لأثره وهديه المتبعين لسنته المحبين لسيرته فهذا كله موجب لرفعة العبد في الدنيا والآخرة . (وعرفني إياهُ معرفةً أسلم ُبها من مواردِ الجهلِ) فلا يكون حالي كحال من ينكر رسالته أو ينكر كمالاته البشرية أو ينكر خصوصيته التي أختصه الله بها كما قال تعالى ((أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون )) فالناس يتفاوتون في هذا الإنكار ما بين كافر أو مبتدع أو جاهل بقدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وأكرعُ بها من موارِدِ الفضلِ) الذي أنعم الله به على من تحقق بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن اتباعه فإن محبة الله تعالى لعباده على قدر محبته واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم ،وعلى قدر تعظيمه وإنزاله منزلته التي تليق به كأفضل مخلوق خلقه الله تعالى )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين( (الأنبياء: 107)، "إنما بعثت رحمة مهداة" (صحيح الجامع: 5342)، (واحْمِلْني على سبيله) أي يسرلي سبيل اتباعه والاقتداء به وتعظيمه ومحبته على وفق سنته التي أمرتنا باتباعها فقلت جل جلالك )قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي( (يوسف: 108) وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ((تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) (إلى حضرتِك) فلا أعمل إلا لله تعالى وبالله تعالى ،ولا أحب إلا ما يحب ولا أبغض إلا ما يبغض ، فهذا منتهى سير الواصلين كما قال الله تعالى )وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى( (النجم: 42). (حملاً محفوفاً بنُصْرَتِك) فتنصرني على نفسي الأمارة بالسوء وعلى الشيطان فلا يكون عملي إلا لك وحدك لا للناس ولا لشهوات نفسي بل لله تعالى وحده لا شريك له (واقْذِفْ بي على الباطلِ فأدمَغَهُ) بقوة الإخلاص والصدق مستعيناً بالله تعالى لا بنفسي ولا بقوتي بل بحول الله وقوته ((إياك نعبد وإياك نستعين )) (وزُجَّ بي في بحارِ الأحديةِ) فيكون توجهي لله تعالى وحده ولا أرى في الكون إلا فضله أو عدله كما قال تعالى ((قل هو الله أحد ،الله الصمد ،لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)) (وانشلني من أوحال التوحيد) أي العلم المسمى بعلم التوحيد فكم ضل فيه من ضلاّل تلطخوا بأوحال البدعة ،كبدع التشبيه والتجسيم والتعطيل والحلول والاتحاد والشرك بالأسباب ودعوى أن العبد يخلق فعل نفسه ،ودعوى أن الطبيعة تخلق الأشياء بقوة مودعة فيها ونحوها من أوحال التوحيد نعو ذ بالله منها (وأغْرِقْني في عينِ بحرِ الوِحْدةِ) وهي الوحدة الشهودية فلا نشهد في الكون إلا فضلك أو عدلك ولا يتوجه القلب إلا لك وحدك فإن كانت السراء شكرناك ونعلم أن ذلك من فضلك وإن أصابتنا ضراء صبرنا على أقدارك ونعلم أنه من عظيم عدلك ،أو أنه رفعة في الدرجات فتكون من فيض فضلك، فكل ما في الكون من حسنة أو ضدها فمنك وحدك أنت موجدها ومنزلها كما قلت جل جلالك )قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ( (النساء: 78) ((والله خلقكم وما تعملون )) فنحن وأعمالنا من جملة خلقك ((هل من خالق غير الله )) وأنت لا تظلم الناس شيئاً بل ذلك بما كسبت أيدينا وتعفو عن كثير كما قلت وقولك الحق ومن أصدق من الله قيلا ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) وكما قلت ((مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك( (النساء: 79)، فحققني بمقام وحدة الشهود فلا أشاهد الأشياء إلا منك وحدك (حتى لا أرى ولا أسمعَ ولا أجدَ ولا أحسَ إلا بها)، وهذا هو أعلى المقامات فلا تشاهد إلا المكّون جل جلاله ،فأعني على بلوغ هذا المقام الذي قلت في أهله في الحديث القدسي " فإذا أحببتُه كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورجلَه التي يمشي بها" (البخاري)، (واجعل الحجابَ الأعظمَ) وهو سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم (حياةَ روحي) فذكره ورؤيته ومحبته وحسن اتباعه حياة الأرواح المؤمنة (وروحَه سِرَ حقيقتي) وذلك بأن يتحقق بمقام المشاهدة وهو (أن تعبد الله كأنك تراه ) وهو أعلى من مقام المراقبة وهوالمشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم (فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) فمقام المشاهدة هو أعلى المقامات التي قد تحقق بها الكمّل من العباد وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،والأرواح قيمتها بمقدار تعلقها بالنبي صلى الله عليه وسلم وحسن اتباعه والاستمداد منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) (وحقيقَتَه جامعَ عوالِمِي) وحقيقته صلى الله عليه وسلم التي هي في أعلى مراتب الإحسان جامع لعوالمي كلها الظاهرة والباطنة فأهتدي بهديه في اعتقادي وعملي ظاهراً وباطناً حتى أتحقق بأعلى درجات الإحسان وهو مقام الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين وهو المقام الذي يطلبه المسلم في كل صلاة فيقول ((اهدنا الصراط المستقيم *صراط الذين أنعمت عليهم )) فيكون ممن قال الله تعالى فيهم ((ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون *الذين ءامنوا وكانوا يتقون *لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ))يونس 62ـ64
(بتحقيقِ الحقِّ الأولِ) وهو الذي أخذ الله الميثاق والعهد عليه في قوله تعالى (((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا )) قال الإمام أبو علي الروذباري المتوفى سنة 322 هــ و هو من أجل المشايخ الذين صحبوا سيدنا الجنيد - : " النطق الذي ظهر الحق به و نطق به في الأزل صار كاملاً في نفوس الخلق حين خاطب الحق بقوله (ألست بربكم قالوا بلى )فبقيت حلاوة الخطاب في الأسرار ،فما كان في القلوب من رقة ووجد و حقيقة فهو من تلك الحلاوة التي خاطب بها في النشأ الأول لأن الأعضاء كلها ناطقة بذكره مستطيبة بسره " انتهى كلامه رحمه الله تعالى فتحقيق ذلك على أكمل وجه هو بالتحقق بمقام المشاهدة وهو أعلى مراتب الإحسان . (يا أولُ) بلا ابتداء فليس معه ولا قبله ولا غيره شيء (يا آخرُ) ببقاء لا فناء له (يا ظاهرُ) فليس فوقه شيء حساً ومعنى ولا يلحقه خفاء (يا باطنُ) ليس دونه شيء مستصحب باعتقاد التنزيه عن الحلول في الأمكنة والجهات وعن مشابهات المخلوقات ((ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ))فله العظمة المطلقة والكبرياء (اسمعْ ندائِي) سمع إجابة يا مجيب الدعاء ياواسع العطاء (بما سمعت به نداء عبدِك زكريا) بعين الرحمة والإنعام حين دعاك وهو كهلاً وامرأته عجوزاً عقيماً ، فاستجبت له بفضلك العظيم ووهبت له سيدنا يحي عليه السلام وبشرته بصلاحه ونبوته (وانصُرني بك لك) فيكون الفضل منك وعملي كله لك وحدك لا شريك لك فتنصرني على نفسي وعلى كل ما يشغلني عنك وعن طاعتك (وأيدني بك لك) فأكون ممن قلت فيهم )أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ( (المجادلة: 22)، (واجمع بيني وبينَك) فأزل عني حجاب الغفلة وكل شاغل يشغلني عنك فلا أغفل عن مشاهدتك طرفة عين ((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين )) ((((إن الله كان عليكم رقيباً(( وقال تعالى ((والله على كل شيء شهيد)) وفي الحديث ((أن تعبد الله كأنك تراه))
(وحُل بيني وبينَ غيرِك) فلا يحجبنا عنك شيء لا نعيم ولا ابتلاء ((وهو معكم اينما كنتم )) ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))
(الله. الله. الله). هذا من ذكر الله بالاسم المفرد عمل بقول الله تعالى ((واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا)) وقوله تعالى ((واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا)) ((ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها ﴾ البقرة 114.
﴿فى بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه﴾ النور 3.
﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾ الحج 40. ﴿واذكر ربك كثيرا ،وسبحه بالعشى والإ بكار﴾ وقال تعالى ((الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)) آل عمران 191. ﴿الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ الرعد 28.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ ) رواه مسلم (148). يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (2/178 : وفي الرواية الأخرى ( لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله ) أما معنى الحديث فهو أن القيامة إنما تقوم على شرار الخلق كما جاء في الرواية الأخرى " وتأتي الريح من قبل اليمن فتقبض أرواح المؤمنين عند قرب الساعة " .... .وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( على أحد يقول اللهُ اللهُ )هو برفع اسم الله تعالى ،وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه واعلم أن الروايات كلها متفقة على تكرير اسم الله تعالى في الروايتين وهكذا هو في جميع الأصول . انتهى كلام الإمام النووي .
)إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ() (القصص: 85فيظهر في ذلك الميعاد عظيم فضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكل الخلق مؤمنهم وكافرهم في مقام الشفاعة العظمى ولذا قال تعالى )وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا( (الإسراء: 79) وكذلك نحن لابد أن نرى ذلك الموقف العظيم فلا تغرنكم الحياة الدنيا وزخارفها فهي دار الغرور واستعد لدار البقاء الأبدي فهو معاد لابد منه فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للإستقامة على ما أمر والظفر بحبه ورضاه كما وعد فهو غاية المقصود .
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) فالمؤمن يرجو رحمة الله ويعمل بما أمره به ويكون عمله لله وحده ، وتوكله على الله وحده ،فلا حول ولا قوة إلا بالله. مع يقينه التام أنه لولا الله الرؤوف الرحيم الهادي ما اهتدى المهتدون ،ولا عمل العاملون قال تعالى ((ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ،وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون *فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم )) الحجرات 7ـ8 فلله الحمد كله حمداً يكافىء نعمه ويوافي مزيده كما يحب ويرضى . سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َ


وكتبه:الفقير إلى الله تعالى :نعمة الله الشاذلي

السبت، 7 نوفمبر 2009

أهمية المرشد للسالكين إلى رضا الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الآمر بتطهير النفوس ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام عبدالقادر عيسى رحمه الله تعالى :
إن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، والصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي، والإنسان اجتماعي بالطبع لا بد أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلاء وأصدقاء ؛ فإن اختارهم من أهل الفساد والشر والفسوق والمجون انحدرت أخلاقه، وانحطت صفاته تدريجياً دون أن يشعر، حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم.
أما إذا اختار صحبة أهل الإيمان والتقوى والاستقامة والمعرفة بالله تعالى فلا يلبث أن يرتفع إلى أوج علاهم، ويكتسب منهم الخُلق القويم، والإيمان الراسخ، والصفات العالية، والمعارف الإلهية، ويتحرر من عيوب نفسه، ورعونات خُلُقِهِ. ولهذا تُعرف أخلاق الرجل بمعرفة أصحابه وجلسائه.
وما نال الصحابة رضوان الله عليهم هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة بعد أن كانوا في ظلمات الجاهلية إلا بمصاحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالستهم له. وما أحرز التابعون هذا الشرف العظيم إلا باجتماعهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبما أن رسالة سيدنا محمد عليه السلام عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وُرّاثاً من العلماء العارفين بالله تعالى، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، يقتبسون من نوره ليضيؤوا للإنسانية طريق الحق والرشاد، فمَنْ جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن استقى من هدايتهم وإرشادهم فقد استقى من نبع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هم من الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة بلفظ آخر، وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن، وابن ماجه في كتاب السنة].
لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم قطر.
وهؤلاء الوراث المرشدون صحبتهم ترياق مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان، لأن هذه أُمور لا تُنال بقراءة الكتب، ومطالعة الكراريس، إنما هي خصال عملية وجدانية، تُقتبس بالاقتداء، وتُنال بالاستقاء القلبي والتأثر الروحي.
ومن ناحية أخرى، فكل إنسان لا يخلو من أمراض قلبية، وعلل خفية لا يدركها بنفسه، كالرياء والنفاق والغرور والحسد، والأنانية وحب الشهرة والظهور، والعجب والكبر والبخل... بل قد يعتقد أنه أكمل الناس خُلقاً، وأقومهم ديناً، وهذا هو الجهل المركب، والضلال المبين.
قال تعالى:
{قُلْ هل نُنَبِّئُكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنَّهم يُحسنون صنعاً} [الكهف: 103ـ104].
فكما أن المرء لا يرى عيوب وجهه إلا بمرآة صافية مستوية، تكشف له عن حقيقة حاله، فكذلك لا بد للمؤمن من أخ مؤمن مخلص ناصح صادق، أحسن منه حالاً، وأقوم خُلقاً، وأقوى إيماناً، يصاحبه ويلازمه، فيريه عيوبه النفسية، ويكشف له عن خفايا أمراضه القلبية إما بقاله أو بحاله.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنُ مِرآةُ المؤمن" [رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البخاري في "الأدب المفرد" وقال الزين العراقي: إسناده حسن. "فيض القدير" ج6/ص252].
وعلينا أن نلاحظ أن المرايا أنواع وأشكال ؛ فمنها الصافية المستوية، ومنها الجرباء التي تُشوِّهُ جمال الوجه، ومنها التي تُكبِّر أو تُصغِّر.
وهكذا الأصحاب ؛ فمنهم الذي لا يريك نفسك على حقيقتها، فيمدحك حتى تظن في نفسك الكمال، ويُدخل عليك الغرور والعجب، أو يذمك حتى تيأس وتقنط من إصلاح نفسك. أما المؤمن الكامل فهو المرشد الصادق الذي صقلت مرآته بصحبة مرشد كامل، ورث عن مرشد قبله وهكذا حتى يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المرآة التي جعلها الله تعالى المثل الأعلى للإنسانية الفاضلة ؛ قال تعالى:
{لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنةٌ لِمَنْ كان يرجو الله واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيراً} [الأحزاب: 21].
فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوىً وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية، شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والاطلاع على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلا بد معهما من طبيب يصف لكل داء دواؤه ولكل علة علاجها [تسرع بعض القراء ففهم هذه العبارة على غير مرادها، وظن أننا نقصنا من أهمية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وزهَّدنا في تلاوتهما، والحقيقة أن رجال التصوف هم أكثر الناس تعظيماً لهما وتمسكاً بهما. ففي عبارة: (بمجرد قراءة القرآن الكريم...) بيان إلى أنه لا يكفي الاقتصار على قراءة القرآن الكريم والسنة الشريفة بل لا بد أيضاً من الفهم والعمل، ومن المعلوم أن الكتاب والسنة يدعوان للصحبة الصالحة كما سنوضحه في بحث (الدليل على أهمية الصحبة من الكتاب والسنة). وفي عبارة: (فلا بد معهما...) تصريح واضح بلزوم قراءة القرآن الكريم والسنة الشريفة، ثم يضاف إلى ذلك صحبة المرشدين الذين يزكون النفوس ويحضون الناس على قراءة وتطبيق الكتاب والسنة].
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبب قلوب الصحابة ويزكي نفوسهم بحاله وقاله.
فمن ذلك ما حدث مع الصحابي الجليل أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحَسَّنَ النبي شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأني أنظر إلى الله عز وجل فَرَقاً) [أخرجه مسلم في صحيحه في باب بيان القرآن على سبعة أحرف].
ولهذا لم يستطع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطببوا نفوسهم بمجرد قراءة القرآن الكريم، ولكنهم لازموا مستشفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكان هو المزكي لهم والمشرف على تربيتهم، كما وصفه الله تعالى بقوله:
{هو الذي بعثَ في الأمّيّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويُزكّيهم ويُعلّمهم الكتابَ والحِكمةَ} [الجمعة: 2].
فالتزكية شيء، وتعليم القرآن شيء آخر، إذ المراد من قوله تعالى: {يزكيهم} يعطيهم حالة التزكية، ففرقٌ كبير بين علم التزكية وحالة التزكية كما هو الفرق بين علم الصحة وحالة الصحة، والجمع بينهما هو الكمال.
وكم نسمع عن أناس متحيرين يقرؤون القرآن الكريم، ويطلعون على العلوم الإسلامية الكثيرة، ويتحدثون عن الوساوس الشيطانية، وهم مع ذلك لا يستطيعون أن يتخلصوا منها في صلاتهم!.
فإذا ثبت في الطب الحديث أن الإنسان لا يستطيع أن يطبب نفسه بنفسه ولو قرأ كتب الطب، بل لا بد له من طبيب يكشف خفايا علله، ويطلع على ما عمي عليه من دقائق مرضه، فإن الأمراض القلبية، والعلل النفسية أشد احتياجاً للطبيب المزكي، لأنها أعظم خطراً، وأشد خفاء وأكثر دقة.
ولهذا كان من المفيد عملياً تزكية النفس والتخلص من عللها على يد مرشد كامل مأذون بالإرشاد، قد ورث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والتقوى وأهلية التزكية والتوجيه. انتهى باختصار يسير لكلام سيدنا الإمام عبدالقادر عيسى رحمه الله تعالى في كتاب حقائق عن التصوف

أهمية التصوف الصحيح

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الناس أجمعين
قال العلامة المنجوري: (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس، أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء، لأن علم التصوف يطلع على العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يُتوصل إلى قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله سبحانه وتعالى) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى إسماعيل المدني على هامش شرح الرائية للفاسي ص 26].
فالتصوف هو الذي اهتم بهذا الجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية والمالية، ورسَمَ الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات الكمال الإيماني والخُلُقي، وليس ـ كما يظن بعض الناس ـ قراءةَ أوراد وحِلَقَ أذكار فحسب، فلقد غاب عن أذهان الكثيرين، أن التصوف منهج عملي كامل، يحقق انقلاب الإنسان من شخصية منحرفة إلى شخصية مسلمة مثالية متكاملة، وذلك من الناحية الإيمانية السليمة،والعبادة الخالصة،والمعاملة الصحيحة الحسنة،والأخلاق الفاضلة.
ومن هنا تظهر أهمية التصوف وفائدته، ويتجلى لنا بوضوح، أنه روح الإسلام وقلبُهُ النابض، إذ ليس هذا الدين أعمالاً ظاهرية وأموراً شكلية فحسب لا روح فيها ولا حياة.
وما وصل المسلمون إلى هذا الدرْك من الانحطاط والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره، ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره. انتهى باختصار من كتاب حقائق عن التصوف

الأدلة الشرعية على الاستغاثة والتوسل (بالتوثيق)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الموصوف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
أنقل للقارىء الكريم بعض الأدلة الشرعية على جواز الاستغاثة والتوسل لتكون حجة لمن أراد الوصول للحق ولكشف تلبيسات الظالمين هدانا الله وإياهم للحق المبين :
1ـ : عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه : " أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (صلى الله عليه وسلم ) فقال: ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لِي اللهم فشفعه في "[1]رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن خزيمة في صحيحه والطبراني وابن السني .وصححه الطبراني وابن خزيمة والترمذي والحاكم ووافقه الذهبي. وانظر صحيح الجامع 1/275ولااعتراض على صحته وإنما تأول المانعون معناه على أنه توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وليس بالنبي صلى الله عليه وسلم .ومن تأمل في الحديث وجد أنه علمه أن يقول ((واتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمةيامحمد إني توجهت بك إلى ربي )) فلم يقل بدعاء نبيك وإنما قال بنبيك ثم استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال ((يا محمد إني توجهت بك إلى ربي )) ولم يقل توجهت بدعاءك. وهذا واضح بأدنى تأمل.ولذلك فالعمل بهذا الحديث جائز بلا ريب ،ولا فرق بين كونه في زمن النبيصلى الله عليه وسلم أو بعد زمنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وجيه عند اللهتعالى وله المنزلة العظيمة ولا فرق بين التوجه به إلى الله سواء في زمنه أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم . ويزيد استحباب العمل به في كل حاجة من الحاجات ماجاء من ألفاظ للحديث مؤكدة لمشروعية ذلك حيث قال ابن أبي خيثمة في تاريخه ( كما في قاعدة في التوسل لابن تيمية ص106 ) .حدثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا حماد بن سلمة ، أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رجلاً أعمى أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : إني أصبت في بصري فادع الله لي قال : ((اذهب فتوضأ وصل ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك واتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري ، اللهم فشفعني في نفسي وشفع نبيي في رد بصري ، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك )) . انتهى .وهذا سند غاية في الصحة .وحماد بن سلمة ، ثقة ، حافظ علم .وزيادة الثقة مقبولة مالم تقع منافية أو فيها نوع مخالفة لرواية الأوثق ، وقوله: (وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) لا تنافي أصل الحديث أو تخالفه بل توافقه تماماً ، لأن الأصل العموم واستعمال الحديث في أي وقت .وهذه الزيادة من باب التأكيد على هذا الأصل فقط، وليست كل زيادة للثقة يضعف بها الحديث ولذا قال الإمام الحافظ أبو حاتم ابن حبان على زيادة تفرد بها حماد بن سلمة كما في كتاب الثقات لابن حبان (8/1) ما نصه :هذه اللفظة … تفرد بها حماد بن سلمة وهو ثقة مأمون ، وزياد الألفاظ عندنا مقبولة عن الثقات، إذ جائز أن يحضر جماعة شيخاً في سماع شيء ثم يخفى على أحدهم بعض الشيء ويحفظه من هومثله أو دونه في الإتقان .اهـ.وهو كلام رصين ينبغي تعقله .كما قال الشيخ محمود سعيد في كتاب رفع المنارة.ولمزيد الفائدة فسأذكر قصة وردت في معجم الطبراني تفيد أيضاً في المسألة وإن كان الاقتصار على المرفوع يكفي في دعاء الحاجات لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولكن أذكرهاللفائدة فقط .
2ـ قال الطبراني في المعجم الصغير ( 1 / 184 ) :حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي ، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبد الله بن وهب عن شعيب بن سعيد المكي، عن روح بن القاسم ، عن أبي جعفر الخطمي المدني ، عن أبي أمامة ابن سهل ابن حنيف ، عن عمه عثمان بن حنيف :[أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف اءت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل :اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك (ربي) جل وعز فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك. ورح إليّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قاله عثمان [بن حنيف] ،ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف ، فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلى حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أفتصبر ؟)، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ايت الميضأة فتوضأ ، ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات . قال عثمان ابن حنيف (( فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط )) .لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد (ابن أحمد) بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي .وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر لخطمي واسمه عمير ابن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، والحديث صحيح . انتهى كلام الطبراني .أخرجه من هذا الوجه الطبراني في الكبير ( 9/ 17 ) ، وفي الدعاء (2/1288) ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 6 /167 – 168 ) .
3ـ روى البخاري في صحيحه ( الفتح : 2 / 494 ) عن أنس : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) . قال فيسقون. قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 2 / 497 ) (( ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه )) . اهـ .وفعل الصحابة رضي الله عنهم يفهم منه جواز تعدد وسائل التوسل ولا يفهم منه تحريم أحدها ،بل هو واضح في التنوع لا في التضاد وتوسلهم بالمفضول مع وجود الفاضل إنما يستفاد منه جواز العمل بالوسيلة الأدنى مع وجود الوسيلة الأعلى ولا يفهم منه تحريم الأعلى إلا بدليل أخر ينص على المنع ولا يوجد في ذلك أي دليل ،وكان لديهم وسيلة أعظم وهي الاقتصار على التوسل بأسماء الله وصفاته العظمى ،ومع ذلك توسل الصحابة بالعباس رضي الله عنه فلو كان التوسل بالمفضول يدل على تحريم التوسل بالفاضل لكان توسلهم بالعباس يدل على تحريم التوسل بأسماء الله وصفاته وهو مالم يقله أحد فدل على أن التوسل بالعباس أو بالأسماء والصفات أو بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما يدل على تنوع الوسائل لا على تحريم أحدها.ومعلوم أن علي أفضل من العباس رضي الله عنهما وكلاهما من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ،ورغم ذلك عدلوا عن الفاضل إلى المفضول وهذا لا يدل على التحريم .وإن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (( إنا نتوسل إليك بعم نبينا )) لا يخرج عن كونه توسلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال العباس في دعائه (( وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك )) فتوسل عمر بالعباس رضى الله عنهما فيه إرضاء للنبي (صلى الله عليه وسلم) والإقتداء به في إكرام عمِّه واتخاذه وسيلة لقرابته .وحرص الصحابة أن يكون التوسل بعم النبي صلى الله عليه وسلم دال على أن ذلك لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم وممن فهم أن التوسل بالعباس هو توسلٌ به أى بذاته لا بدعائه فقط حسان ابن ثابت الصحابى الجليل رضي الله عنه حيث قال : سألَ الأنام وقد تتابع جدبنا فسقي الغمام بغرة العباسعم النبي وصنو والده الذي ورث النبي بذاك دون الناسأحيا الإله به البلاد فأصبحت مخضرة الأجناب بعد اليأسوصحابي آخر وهو عباس بن عتبة بن أبي لهب فقال :بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقى بشيبته عمرتوجه بالعباس في الجدب راغباً إليه فما رامَ حتى أتى المطرومنَّا رسول الله فينا تراثه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخرفالأبيات السابقة تصرح بأنَّ التوسل كان بالعباس رضي الله عنه أي بذاته لا بدعائه فقط ،وإلا ففي الصحابة غيره ممن هو مستجاب الدعوة كسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وسعيد بن زيد وغيرهما .
4ـ ثبت عن السلف الصالح التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (12/31-32) :حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن مالك الدار ، قال : وكان خازن عمر على الطعام ، قال (أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون ، وقل له : عليك الكيس، عليك الكيس، فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه ))وأخرجه من هذا الوجه ابن أبي خيثمة كما في "الإصابة" (3/484)، والبيهقي في "الدلائل" (7/47)) والخليلي في "الإرشاد" (1/313-314) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/464) .وقال الحافظ في "الفتح" (2/459) : وقد روى سيف في الفتوح أنالذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة. اهـ .وقد صححه الحافظان ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/101) ، وابن حجر في "الفتح " (2/495) وقال ابن كثير في جامع المسانيد – مسند عمر – (1/223) : إسناده جيد قوي . اهـ .
5ـ قال الطبراني في المعجم الكبير (24/352 حديث) رقم (871) :حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة ، ثنا روح بن صلاح ، ثنا سفيان الثوري ، عن عاصم الأحول ، عن أنس بن مالك قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجلس عند رأسها فقال ((رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي ، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيباً وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة ))، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده ، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه ثم قال (( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين )) ، وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهما . ورواه من هذا الوجه الطبراني في الأوسط ( 1 / 152) ، ومن طريقه أبونعيم في الحلية ( 3 / 121 ) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية ( 1 / 268 ) وهو حديث حسن .قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 257 ) رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه روح بن صلاح وثقة ابن حبان ، والحاكم ، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح . اهـ .
6ـ قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده (كشف الأستار: 1/397 ):حدثنا يوسف بن موسى ، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض على أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شرٍ استغفرت لكم )) .قال الحافظ العراقي في (طرح التثريب ) ( 3 / 297) إسناده جيد.وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد) (9/24) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح . اهـ .وصححه السيوطي في الخصائص (2 / 281 ) ، وفي تخريج الشفا وهو كما قال .
7ـ قال ابن ماجه في سننه ( 1 / 256 ) : حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري، ثنا الفضل بن الموفق أبو الجهم، ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك ) .ورواه أحمد في المسند (3/21) عن يزيد بن هارون ، وابن خزيمة في التوحيد (17، 18) عن ابن فضيل بن غزوان وأبي خالد الأحمر . والطبراني في الدعاء (2/990 ) وابن السني في عمل اليوم والليلة(ص40) كلاهما عن عبد الله بن صالح العجلي .والبغوي في حديث علي بن الجعد (ل 262 نسختي) عن يحيى بن أبي كبير، ويزيد بن هارون، وأحمد بن منيع كما جاء في (مصباح الزجاجة) (1/99) عن يزيد بن هارون .والبيهقي في (الدعوات الكبير) (ص47) عن يحيى بن أبي كبير .كلهم عن فضيل بن مرزوق ، عن التابعي عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به مرفوعاً .ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/211-212) عن وكيع وأبى نعيم الفضل بن دكين كما في (أمالي الأذكار) (1/273) .كلاهما عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري موقوفاً عليه، وهذا وجه مرجوح .وإسناد هذا الحديث من شرط الحسن ، وقد حسنه جمع من الحفاظ منهم الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص471_472) ، والحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ الحافظ المنذري كما في الترغيب والترهيب (3/273) .والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/291) .والحافظ بن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار (1/272) .وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة (1/99) : لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه، من طريق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده . اهـ .فهؤلاء خمسة من الحفاظ ، رحمهم الله تعالى ، صححوا أو حسنوا الحديث .وحق السائلين على الله هو تفضل من الله وإنعام وليس بواجب على الله تعالى وإنما هو بمحض فضله للسائلين .
8ـ قال الطبراني في المعجم الكبير (10/267) :حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، ثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، ثنا معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا علي ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم )) .ورواه من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده (9/177) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة(ص162) وأخرجه البزار في مسنده (كشف الأستار 4/33-34) :حدثنا موسى بن إسحاق ، ثنا منجاب بن الحارث ، ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال "إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : أعينوا عباد الله" .قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/132) رواه البزار ورجاله ثقات اهـ
وقد عمل به أئمة المسلمين وجربوه :ـ ففي المسائل ، وشعب الإيمان للبيهقي : قال عبد الله بن الإمام أحمد : سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها اثنتين راكباً ، وثلاثة ماشياً ، أو ثنتين ماشياً وثلاثة راكباً ، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشياً فجعلت أقول : يا عباد الله دلونا على الطريق ، فلم أزل أقل ذلك حتى وقعت على الطريق ، أو كما قال أبي . اهـ .- وبعد أن أخرج أبو القاسم الطبراني الحديث في معجمه الكبير (17/117) قال : وقد جرب ذلك .-
وقال الإمام النووي في الأذكار (ص133) بعد أن ذكر الحديث ما نصه:حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلةوكان يعرف هذا الحديث فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرةً مع جماعة فانفلتت منا بهيمة وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال يغير سوى هذا الكلام . اهـ .
9ـ قال أبو يعلى الموصلي في مسنده (4/132) :حدثنا عقبة ، حدثنا يونس ، حدثنا سليمان الأعمش ، عن أبي سفيان، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش من جيوشهم فيقال : هل فيكم أحد صحب محمداً فتستنصرون به فتنصروا ؟ ثم يقال : هل فيكم من صحب محمداً فيقال : لا . فمن صحب أصحابه ؟ فيقال لا . فيقال من رأى من صحب أصحابه ؟ فلو سمعوا به من وراء البحر لأتوه )) .إسناده صحيح .ورواه أبو يعلى في مسنده ( 4 / 200) بلفظ مقارب :حدثنا ابن نمير ، حدثنا محاضر ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يبعث بعثٌ فيقال لهم : هل فيكم أحد صحب محمداً ؟ فيقال : نعم. فيلتمس فيوجد الرجل فيستفتح فيفتح عليهم . ثم يبعث بعث فيقال: هل فيكم من رأى أصحاب محمد ؟ قيلتمس فلا يوجد حتى لو كان من وراء البحر لأتيتموه . ثم يبقى قوم يقرؤن القرآن لا يدرون ما هو " .قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/18) :رواه أبو يعلى من طريقين ورجالهما رجال الصحيح . اهـ .
10ـ قال الطبراني في معجمه الكبير (1/292) حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ، ثنا أبي ، ثنا عيسى بن يونس ، حدثني أبي عن أبيه ،عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) ثم قال : وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يحيى بن سعيد عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) .ثم رواه من طريق قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن المهلب بن أبي صفرة ، عن أمية بن خالد مرفوعاً نحوه .قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/262) : رواه الطبراني ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح . اهـ . 11ـ قال الإمام أحمد في مسنده : (5/422) :ثنا عبد الملك بن عمرو ، ثنا كثير بن زيد ، عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان بن الحكم يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فقال : أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله )). وأخرجه من هذا الوجه الحاكم في المستدرك (4/515) وقال صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي .فالزائر لا يأتي للأحجار والبقعة والقبر وإنما مقصوده من في القبر .ولذا قال أبو أيوب رضي الله عنه :نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر. فهذا هو فعل الصحابة الراسخون في العقيدة .
12ـ قال الحافظ الدارمي في سننه (1/43 – 44) باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته :حدثنا أبو النعمان ، ثنا سعيد بن زيد ، ثنا عمرو بن مالك النكري، حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : (( قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة رضي الله عنها فقالت : انظروا إلى قبر النبي النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كواً لى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال: ففعلوا ، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق )) .إسناده صحيح رجاله رجال مسلم ما خلا عمرو بن مالك النكري ، وهو ثقة . والله تعالى أعلم .انتهى ما أردت نقله من بعض أدلة المجيزين للاستغاثة كما في كتاب رفع المنارة وشفاء السقام وغيرهما .
وأنا على يقين من قول النبي صلى الله عليه وسلم ((من كذب على متعمداً فلتيوأ مقعده من النار)فنعوذ بالله أن نكذب عليه أو على أحد كما يزعم الغلاة هدانا الله وإياهم.وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

الأدلة الشرعية الدالة على سماع الأموات للأحياء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أنقل هذا الموضوع من منتدى الأصلين .وأنا على يقين من هذه الأدلة بمراجعة مراجع كثيرة من دوواين السنة الشريفة وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النار موعد من كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمداً.فنعوذ بالله أن نكذب عليه لأي غرض كان فإن أي كذب عليه لأي سبب كان فهو داخل في الحديث الشريف.
أدلة العلماء على أن الأنبياء والأولياء أحياء في قبورهم حياة برزخية كاملة :
التوسل بالأنبياء والأولياء قائم على اعتقاد أنهم أحياء في قبورهم حياة أكثر كمالاً من الحياة الدنيا ،وأنهم يسمعون من يطلب منهم الإعانة ،وأنهم مجرد أسباب فقط ولكنهم من الأسباب النافعة بإذن الله تعالى .ولذا فلابد أن نبحث أولاً في تحقيق الأدلة الدالة على دعوى أنهم أحياء حياة برزخية ،وأنهم يسمعون .فنبدأ بذكر بعض أدلتهم على ذلك.
1ـ روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قليب بدر فقال :هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ ثم قال: أنهم الآن يسمعون ما أقول.
2ـ وفي رواية في الصحيح ( البخاري) : أن النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فأنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفس محمد بيده ماأنتم بأسمع لما أقول منهم .
3ـ عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ) رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 421) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الحافظ الذهبي ، وفي فيض القدير ( 2(479): رواه أحمد في المسند والنسائي وابن حبان والحاكم ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ، وقال الحافظ العراقي : الحديث متفق عليه دون قوله سياحين.
4ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام ) رواه أبو داود وغيره وصححه النووي في رياض الصالحين وفي الأذكار ، وقال الحافظ ابن حجر : رجاله ثقات ، كما في فيض القدير . وقال الإمام السخاوي – يرحمه الله – بعد سرده الأدلة على عرض الأعمال عليه صلى الله عليه وسلم من صلاة و غيرها ما نصه:( يؤخذ من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم حي على الدوام وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم عليه في ليل أونهار ، ونحن نؤمن و نصدق بأنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق في قبره ، وإن جسده الشريف لا تأكله الأرض و الإجماع على هذا ، وزاد بعض العلماء ، الشهداء و المؤذنين، وقد صح أنه كشف عن غير واحد من العلماء و الشهداء فوجدوهم لم تتغير أجسامهم والأنبياء أفضل من الشهداء جزماً )انتهى.
5ـ عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى بن مريم غماماً مقسطا وحكماً عدلاً ،فليكسرن الصليب و يقتلن الخنزير و ليصلحن ذات البين و ليذهبن الشحناء و ليعرضن المال فلا يقبله أحد ، ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجبته )) قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( 8/211) : ( هو في الصحيح باختصار رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ).
6ـ في حديث أبي هريرة والسيدة عائشة وبريدة واللفظ له عند مسلم وغيره كما في تلخيص الحبير ( 2 / 137 (أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يقول إذا ذهب إلى المقابر : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ،وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسال الله لناولكم العافية.) يقول ابن القيم: (فإن السلام على من لا يشعر ولايعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي (صلى الله عليه وسلم) أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) وهذا السلام والخطاب والنداء الموجود يسمع، ويخاطب، ويعقل، ويرد،وإن لم يسمع المسلم الرد، وإذا صلى قريبا منهم شاهدوه، وعلموا صلاته، وغبطوه على ذلك) انتهى كلام ابن القيم كما في كتابه الروح.
7ـ قال الحافظ السيوطي (الحاوي 2/421): روى الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار و التمهيد من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله : (( مامن أحد يمر على قبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلِّم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام )) صححه الحافظ أبو محمد بن عبد الحق الأشبيلي. (وهو إمام في العلل ومعرفة الحديث كما في تذكرة الحفاظ للذهبي )(و أشار إلى صحة الحديث صاحب "عون المعبود " (3/370)
8ـ ومنها حديث الرجل الذي ضرب خباءه ليلاًعلى قبر فسمع من القبر قراءة ( تبارك الذي بيده الملك ) إلى آخرها ، فلما أصبح ذكرذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( هي المانعة هي المنجية ) . أخرجه الترمذي (280 ) وحسنه السيوطي.
9ـ ومنها حديث (( حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض على أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر أستغفرت لكم )) .قال الحافظ العراقي في (طرح التثريب ) ( 3 / 297) : إسناده جيد.وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد) (9/24) : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح . اهـ .وصححه السيوطي في الخصائص (2 / 281 ) ، وفي تخريج الشفا. انتهى

الرد على شبهات من ينكر سماع الأموات!
احتج من ينكر سماع الأموات للأحياء بقوله تعالى{ وما أنت بمسمع من في القبور }قالوا (فسماع الأصوات من خواص الأحياء فإذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات أهل الدنيا ولا يسمع حديثهم قال تعالى{وما أنت بمسمع من في القبور}فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى ) انتهى وبهذا استدلوا على أن الأموات لا يسمعون الأحياء مطلقاً .وقالوا إن كل هذه النصوص الواردة في سماع الأحياء للأموات هي خاصة لاعامة ،فيقتصر فيها على خصوص السبب.!!
الجواب: أجاب العلماء بالتالي:1ـ لابد من إيراد الآية بتمامها بسياقها وسباقها حتى يتضح معناها فلا يجوز إيرادها مبتورة عن الكلام السابق والاحق لها فالآية كاملة هي {وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور * إن أنت إلا نذير }.فهذا تمام الآية ثم ننظر في معناها من خلال التفسير.ـ قال الإمام ابن جرير في تفسيره:يقول تعالى ذكره(وما يستوي الأعمى) عن دين الله الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم(والبصير) الذي قد أبصر فيه رشده؛ فاتبع محمداً وصدقه وقبل عن الله ما ابتعثه به(ولا الظلمات) يقول: وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان(ولا الظل) قيل: ولا الجنة(ولا الحرور) قيل: النار، كأن معناه عندهم: وما تستوي الجنة والنار، والحرور بمنزلة السموم، وهي الرياح الحارة.وقوله( وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) يقول: وما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله، ومعرفة تنزيل الله، والأموات القلوب لغلبة الكفر عليها، حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال، وكل هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والإيمان، والكافر والكفر.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ثم أسنده عن عدد من الصحابة والتابعين.انتهى من تفسير الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.
فإذن ليس في الآية ما يستدل به على أن أهل البرزخ لا يسمعون أهل الدنيا لأن الآية مُنصبة على معنى أخر وهو موت القلوب بالكفر والعياذ بالله.وقال ابن جرير:في تفسير قوله تعالى ( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ) قال: الهدى الذي هداه الله به ونور له، هذا مثل ضربه الله لهذا المؤمن الذي يبصر دينه، وهذا الكافر الأعمى فجعل المؤمن حيا وجعل الكافر ميتا ميت القلب( أومن كان ميتا فأحييناه ) قال: هديناه إلى الإسلام كمن مثله في الظلمات أعمى القلب وهو في الظلمات، أهذا وهذا سواء؟.انتهى من تفسير شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري.وقال ابن كثير: وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين وهم الأحياء، وللكافرين وهم الأموات، كقوله تعالى: { أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها }. انتهى وقال: وقوله: {إن الله يسمع من يشاء } أي: يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها { وما أنت بمسمع من في القبور} أي:كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم، وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم.انتهى كلام ابن كثير بحروفه.فالمقصود هو سمع الهداية لا السمع الحسي .
3ـ أننا نعلم بالضرورة أن الكفار الذين كان يدعوهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسمعون سمعاً حسياً ولم يكن بسمعهم أي عائق يمنعهم من سماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ،ولذلك فليس وجه الشبه بين من في القبور وبين الكفار هو السمع الحسي بل هو سمع الاستجابة والهداية فقط ،فكما أن الميت لا يستجيب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام لأنه انتقل من دار التكليف إلى دار الجزاء فكذلك الكفّار لا يستجيبون ولا يهتدون إلى الإسلام.فالمقصود في الآيات هو سمع الهداية والاستجابة وليس السمع الحسي لأن السمع الحسي للكفار وللأموات ثابت بأدلة كثيرة.

4ـ إذا علمنا أن الآية التي استدلوا بها إنما هي في سمع الهداية لا السمع الحسي علمنا يقيناً لا شك فيه أنها لا تعارض الأدلة الكثيرة الدالة على سماع الأموات للأحياء والتي سقنا بعضاً منها .
5ـ أما دعوى أن جميع تلك الأدلة هي أدلة خاصة لأنها تعارض هذه الآية .فجواب ذلك :أنه قد سبق بيان أنه لا تعارض بينها ،وأن الآية ليس لها علاقة بالمسألة .والأدلة على عمومها في الدلالة على سماع الأموات للأحياء لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،والأصل هو بقاء العام على عمومه حتى يرد ما يخصصه ولا يوجد له مخصص يخصصه.

شبهة:قال المانعون :أن الميت في دار جزاء لا دار تكليف فلا يمكن أن يعاون الحي في شيء لأنه لا تكليف عليه في البرزخ؟الجواب:أن ذلك من باب النعيم والثواب لا من باب التكليف ،كما أن أصحاب الجنة يسبحون لله تعالى من باب التنعم لا من باب التكليف ،وكما أن الأنبياء يصلون في قبورهم كما في قصة الإسراء وكما أنهم نفعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بما أشاروا عليه في قصة موسى عليه السلام في تخفيف الصلاة،ونحو ذلك.فإذن ليس معاونتهم للحي من باب التكليف ،بل هم يفعلونه سائر الخير من باب التنعم لا التكليف .

مطلب في النقل عن بعض العلماء في مسألة سماع الأموات وحياتهم
1ـ قال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور وأحوال أهلها على النشور:خرج النسائي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الروح وقال في روح المؤمن ((فيؤتى به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألون ما فعل فلان ؟وما فعل فلان ؟فيقولون دعوه فإنه كان في غم الدنيا .فإذا قال :أما أتاكم ؟!!قالوا ذُهب به إلى أمه الهاوية )) قال محقق الكتاب أخرجه النسائي في المجتبى 4/8 والكبرى 1959وأبودواد 2389وابن حبان في صحيحه 3014والحاكم في مستدركه 1/504 والبيهقي في إثبات عذاب القبر .والحديث قال عنه الحافظ العراقي إسناده جيد وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 4/396ـ370إسناده صحيح ومن قبله الحاكم قال:إسناده صحيح.انتهى كلام المحقق ص61وفي هذا دليل على أن المؤمن حي حياة الأرواح وأنها تتزاور وتكلم بعضها وتحس بغيرها.

2ـ مطرف بن الشخير رضي الله عنه .قال ابن رجب في أهوال القبور ما نصه(وبإسناد صحيح عن أبي التياح قال كان مطرف يبدو فإذا كان يوم الجمعة أدلج فأقبل حتى إذا كان عند المقابر هوّم على فرسه فرأى أهل القبور قال:تعلمون عندكم يوم الجمعة ؟قالوا:نعم ،ونعلم ما تقول الطير .قال قلت :وما تقول الطير ؟قالوا:يقولون :سلام سلام يوم صالح.انتهى رواه عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابو نعيم في الحلية .وهو صريح في حياة الأموات حياة برزخية وبعلمهم بالأحياء ومخاطبتهم لهم بل يعلمون حتى كلام الطير فضلاً عن الإنسان .وقد صححه الحافظ ابن رجب كما في أهوال القبور ص166 ولم يكن أمر مستنكر عند السلف.
3ـ قال ابن القيم في كتابه "الروح" ( ص5-ومابعدها)المسألة الأولى: وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟قال ابن عبد البر ثبت عن النبي أنه قال ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام فهذا نص في أنه يعرفه بعينه ويرد عليه السلام وفي الصحيحين عنه من وجوه متعددة أنه أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا فقال له عمر يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا فقال والذي بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابا .وثبت عنه صلى الله وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنهوقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به.....إلى أن قال بن القيم :"ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرا فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم وكذلك السلام عليهم أيضا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال وقد علم النبي أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية .وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويردو إن لم يسمع المسلم الرد وإذا صلى الرجل قريبا منهم شاهدوه وعلموا صلاته وغبطوه على ذلك"ا.هـ" وسئل الشيح تقي الدين ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى 4/273 هل يتكلم الميت في قبره أم لا؟ فقال: يتكلم وقد يسمع أيضا من كلمه كما ثبت في الصحيح عن النبى أنه قال إنهم يسمعون قرع نعالهم وثبت عنه في الصحيح أن الميت يسأل في قبره فيقال له من ربك وما دينك ومن نبيك فيثبت الله المؤمن بالقول الثابت فيقول الله ربى والاسلام دينى ومحمد نبيي ويقال له ما تقول في هذا الرجل الذى بعث فيكم فيقول المؤمن هو عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه وهذا تأويل قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد صح عن النبى أنها نزلت في عذاب القبر....إلخ "ا.هـ انتهى
نقلته من منتدى الأصلين .