مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

حكم الطواف بالقبور في مذاهب أهل السنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:فإن الطواف عبادة من العبادات التي شرعها الله لعباده حول الكعبة المشرفة،حيث قال الله تعالى ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ والمسلم حين يطوف بالكعبة فلا يعني أنه يعبد الكعبة كما يقول بعض العلمانيين الملحدين ، وإنما يعبد الله بالطواف الذي أمره الله به حول الكعبة ،وهذا الطواف ليس له علة قياسية بل علته تعبدية أي أن الله أمر بالطواف حولها فأطعناه وليس هناك علة لهذا الطواف إلا محض الطاعة لله تعالى فلا يوجد علة منصوص عليها ولا يوجد علة يمكن استنباطها ،ولذا فلا يصح القياس عليها.
فالطواف حول غير الكعبة غير مشروع ولذا اختلف العلماء في حكم الطواف بالقبر على قولين مشهورين في المذاهب السنية :
القول الأول :كراهة الطواف بها وهو وجه في مذهب الحنابلة قررها الإمام مرعي الكرمي في دليل الطالب والإمام الحجاوي صاحب كتاب الإقناع . قال الإمام مرعي الكرمي الحنبلي في دليل الطالب: (ويكره: تزويقه وتجصيصه وتبخيره وتقبيله والطواف به). وقال الإمام الحجاوي في الإقناع: (وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَهُ وَتَجْصِيصُهُ وَتَزْوِيقُهُ، وَتَخْلِيقُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالطَّوَافُ بِهِ وَتَبْخِيرُهُ وَكِتَابَةُ الرِّقَاعِ إلَيْهِ، وَدَسِّهَا فِي الْأَنْقَابِ وَالِاسْتِشْفَاءُ بِالتُّرْبَةِ مِنْ الْأَسْقَامِ . انتهىفهو مكروه على هذا القول.
القول الثاني :أن ذلك محرم لا يجوز وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والمالكية والحنفية ووجه للحنابلة. فالطواف حول القبور بدعة عملية محرمة.جاء في حاشية قليوبي وعميرة في المذهب الشافعي آخر كتاب الحج ما نصه:وليحذر من الطواف بالقبر والصلاة داخل الحجرة بقصد تعظيمه أو استقباله بالصلاة .انتهىوقال الإمام الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى في كتاب الجنائز : ((وَكَذَا) يَحْرُمُ (طَوَافٌ بِهَا) ، أَيْ : الْقُبُورِ ، (خِلَافًا لَهُ)، ـ أي ـ لِصَاحِبِ ” الْإِقْنَاعِ ” (هُنَا) حَيْثُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ). انتهى
والواقع أن أكثر الناس لا يطوفون بالقبور وهذا لا يعني عدم وجود ذلك بل هو موجود بلا شك ولكنه قليل .يقول بعض الكتاب في إحدى المنتديات العلمية الصوفية : نحن نقف على القبور و نسلم على أصحابها ونلتمس البركة فى من نظن كذلك وكيف يعبد صاحب القبر مادام هو مقبور والله لانعلم العبادة إلا للخالق جل فى علاه والله لقد وقفت على أكثر من 99 مشهد وضريح للصالحين ماوجدت أحداً يركع لهم أو يسجد لهم ، صحيح عدم الشيء لا ينفى وجوده و لكن هذا الغالب الأعم والله أعلم . انتهى كلامه .
ولا شك أن هناك من الناس من يطوف بالقبر لله تعالى فما هو غرضهم من ذلك؟
وجهة نظر بعض الناس من الطواف حول قبور الأنبياء والأولياء:
قال بعضهم :إن الطواف حول القبور لا شيء فيه،وذلك بالقياس على الطواف حول الكعبة ،فإن المعبود واحد وهو الله جل جلاله وحده لا شريك له وكذلك بالطواف لله حول الضريح عبادة، ثم إن الطواف حول الكعبة ما هو إلا لنيل البركة الموجودة في الكعبة كما قال تعالى ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مبارك﴾ الآية. فكان الطواف حول الكعبة للحصول على البركة ولتوجيه الله تعالى عباده إلى جهة أو إلى أي مكان ليعلم منها امتثال أمر المعبود بحق كما قال تعالى ﴿وليطوفوا بالبيت العتيق﴾ وحيث كان كذلك فحرمة العبد المؤمن الصالح أحسن وأفضل، كما جاء في الحديث (أشهد أن حرمتك عند الله عظيمة، ولكن حرمة المسلم عند الله أعظم منك) فلما كان الأنبياء والأولياء أعظم من الكعبة جاز الطواف حولها تقرباً إلى الله تعالى .!انتهى ذكر رأيهم.


ولا شك أن البيت الحرام مبارك ،ولا شك أن الرسل عليهم السلام والأولياء أعظم بركة ،ولكن ذكر البركة لم يكن علة لحكم الطواف بل هو من الحكم الملتمسة للطواف والأصوليون يفرقون بين العلة والحكمة فالعلة هي ركن القياس الذي يمكن القياس عليه واما الحكمة فليست من أركان القياس كما هو معلوم لكل من درس الأصول الفقهية .
وعليه تعلم أن الطواف بالقبور بدعة عملية سواء قيل أنها بدعة مكروهة كما ذكر الحنابلة ،أو كان بدعة محرمة كما قال الجمهور
وليس للشرك أي مدخل في المسألة وإنما هو غلو قال به المنتسبون إلى فرقة الوهابية ـ هدانا الله وإياهم ـ نعوذ بالله من الشطط والظلم ،والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.