مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الخميس، 18 ديسمبر 2014

الوسائل الى المقاصد الحسنة هي سنة حسنة

الوسائل الى المقاصد الحسنة هي سنة حسنة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه اما بعد: لقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة بالحث على ذكر الله تعالى لما فيه من خير عظيم وفضل كبير . وهذه النصوص جاءت تارة تحث على الاجتماع للذكر وتارة تحث على الذكر منفردا . فليس اجتماع المسلمين على ذكر الله تعالى بأمر مستنكر لمن عرف أن من مقاصد الشريعة تعاون المسلمين واجتماعهم على طاعة الله تعالى لما فيه من عظيم البركات قال تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان” ولا يوجد مسلم له قلب يزعم أن ذكر الله ليس من البر والتقوى . فإذا اجتمع المسلمون لعمل ذلك فإنما هو من التعاون على الخير . مطلب في ذكر الأدلة على الاجتماع للذكر: قال الله تعالى ” {فاذكُرُوني أذكُرْكُم} [البقرة: ]. وهذا الأمر موجه لجميع الأمة وهو وارد بلفظ الجمع فتخصيصه بالأفراد دون اجتماع الجماعة لهذا العمل الشرعي ليس إلا من تلبيس الشيطان . وقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسَبِّحُوه بكرةً وأصيلاً} [الأحزاب: 41ـ42]. وهو خطاب عام لجميع المؤمنين لم يقل لا تذكروا الله جماعة ولا قال تعالى اذكروا الله فرادى فمن زعم أنه لا يجوز أن يجتمع المسلمون لذكر الله جماعة فقد ظلم وضيق أمر الله العام الشامل فقيده بمحض الهوى وحب التحكم. ولا يوجد أي نص يقيد أو يخصص هذه النصوص العامة بالذكر الفردي دون الاجتماع جماعة للذكر . بل على العكس تماما فقد وردت النصوص الكثيرة من السنة المطهرة التي تدل على الأمر بالاجتماع للذكر لما فيه من بركة اجتماع المسلمين على طاعة الله تعالى . فمن الأحاديث: الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : “يقول الله : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه “رواه البخاري ففي الحديث التصريح بالذكر في ملأ أي في جماعة . وتأمل يا أخي المسلم في هذا الحديث الصحيح الصريح في استحباب الذكر الجماعي حيث أخرج الامام مسلم، واالامام لحاكم – واللفظ له – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ” إنَّ لله ملائكة سَيَّارة وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض، فإذا أتوا على مجلس ذكر حَفَّ بعضُهم بعضاً بأجنحتهم إلى السماء، فيقول الله : من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عبادك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويسألونك ويستجيرونك، ....... قد غفرت له، هم القوم لا يَشْقَى بهم جليسهم " فتأمل في هذا الحال ترى أن الملائكة عليهم السلام يبحثون عن مجالس وتلك المجالس فيها قوم متجالسون اجتمعوا يذكرون الله تعالى بأنواع من الذكر منها التهليل وهو قول لا اله الا الله ومنها التكبير وهو قول الله أكبر .وهكذا . فهذا الفعل المحمود عند الله تعالى أصبح مذموما عند بعض الناس هداهم الله تعالى. ولو أتى دليلا واحدا لكان يكفي في استحباب الاجتماع للذكر فكيف بهذه الآيات والأحاديث . وتأمل فيما أخرج الإمام مسلم، والامام الترمذي، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنهما- قالا : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” ما من قَوْم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ” . تأمل يا حبيب الله ترى أنه يقول ما من قوم ولم يقل مما من فرد فقط .وهؤلاء القوم في مجالس ذكر سبق بيان أفعالهم فيها وهو أنهم كما في الحديث السابق يسبحون ويهللون وغيرها من ألفاظ الذكر المعلومة.. وهذا حديث في مسند الإمام أحمد، ونصه: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر. ورواه أيضاً الترمذي وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الامام السيوطي رحمه الله وغيره. وقد جاءت رواية تفسر معنى الرتع رواها الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: المَسَاجِدُ، قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ” . قال الامام الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ. فتأمل كيف أنهم يقولون أنواعا من الذكر منها سبحان الله ولا اله الا الله…. قال الشيخ سلطان علي قارىء الحنفي رحمه الله تعالى في شرحه لمشكاة المصابيح: حاصل المعنى ، إذا مررتم بجماعة يذكرون الله تعالى فاذكروه أنتم موافقة لهم ، فإنهم في رياض الجنة . قال الامام النووي رحمه الله تعالى : واعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله ، وهو قد يكون بالقلب ، وقد يكون باللسان ، وأفضل منهما ما كان بالقلب واللسان جميعا ، فإن اقتصر على أحدهما ، فالقلب أفضل ، وينبغي أن لا يتركالذكر باللسان مع القلب بالإخلاص خوفا من أن يظن به الرياء ، وقد نقل عن الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك . والإخلاص أن يخلصك الله منهما ، لكن لو فتح الإنسان على نفسه باب ملاحظة الناس والاحتراز عن طرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير . انتهى والمحافظة على هذه المجالس لا بد فيها من الصبر كسائر الطاعات واذكر نفسي واخواني المسلمين بما أمرنا الله تعالى به في محكم التنزيل حيث قال ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) قال الإمام ابن كثير الشافعي رحمه الله تعالى في تفسيره اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ، ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ، ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله ، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء . انتهى وقال الإمام الطبراني رحمه الله تعالى: حدثنا إسماعيل بن الحسن ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، عن أسامة بن زيد عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في بعض أبياته : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فخرج يلتمسهم ، فوجد قوما يذكرون الله تعالى ، منهم ثائر الرأس ، وجافي الجلد وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم وقال : ” الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم ” انتهى كما في تفسير ابن كثير أيضا. وقال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ،عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فخرج يلتمس ، فوجد قوما يذكرون الله ، منهم ثائر الرأس ، وجاف الجلد ، وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم ، فقال : “الحمد لله الذي جعل لي في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معه ” فتأمل أخي الحبيب في قوله وجد قوما يذكرون الله تعالى . فهذا هو ديدن المسلمين منذ عصر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا وتأمل كيف نقله شيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري وابن كثير كما نقله الامام القرطبي وغيرهم رحمهم الله تعالى . وراجع هذه الآية الكريمة في تفسير المفسرين كتفسير الإمام ابن كثير أو شيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري أوالامام القرطبي رحمهم الله تعالى. ثم علينا أن نحذر كل الحذر مما نهانا الله تعالى عنه في نفس الآية حيث قال تعالى “ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” فالغافل عن ذكر الله تعالى يستحوذ عليه الشيطان وينسيه ذكر الله تعالى ولا يزال يتدرج به في الغفلة حتى يرى هذه الغفلة قربة وطاعة ثم قد يصير به الحال إلى أن يدعو الناس إلى ترك مجالس الذكر ويزعم أن الاجتماع للذكر بدعة.وهذا من تلبيس الشيطان عليه .فنعوذ بالله من نزغات الشيطان وتوهيمه وتلبيسه. مطلب :غلط رد النصوص بأثر سيدنا ابن مسعود: حاول المخالفون رد هذه النصوص الكثيرة الصريحة بأثر يروى عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه ليس له إسناد ثابت وأمثل أسانيده الضعيفة هو ما رواه الإمام الدارمي في سننه بسنده الى عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج . فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أنفا أمرا أنكرته،ولم أر والحمد لله إلا خيراً. قال: فما هو. فقال: إن عشت فستراه، قال رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائةً، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة. ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم ؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنْتُ لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون. قالوا: يا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل، وأنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمدٍ أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.انتهى وهذا الأثر عن سيدنا ابن مسعود لا يصح أن نعارض به أدلة الذكر الجماعي الكثيرة للأسباب التالية: السبب اﻷول : أن أثر سيدنا ابن مسعود ليس بحديث أصلا بل هو قول صحابي ومعلوم إجماع العلماء أن رأي الصحابي اذا خالف دليلا واحدا من الأدلة الشرعية فلا يؤخذ به فكيف إذا خالف أدلة كثيرة ؟! السبب الثاني: أن هذا الأثر ليس فيه إنكار لاجتماعهم على الذكر بل أنكر عليهم حال العجب والمن بالعمل على الله تعالى والتصدر للناس مع وجود الصحابة الكرام الذين هم أتقى وأعلم بالله .وتفرس أنهم من الخوارج الذين حذر منهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد صدقت فراسته . فمن تأمل لم يجد أي كلمة واحدة نهى فيها عن الاجتماع للذكر وانما قال لهم «أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم»، و كذلك قوله « فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء». أما من توهم بعقله وسوء فهمه أن الصحابة ينهون عن التعاون على طاعة الله تعالى والاجتماع لذكر الله تعالى فقد أبعد عن الحق بلا شك. ولو كان لمجرد تحلقهم لذكر الله فهو معارض بحلق الذكر التي حث عليها الشرع . ولو كان لمجرد عد الأذكار لكان معارض بجواز العد ولو كانوا فرادى كما في اذكار الصباح والمساء وتسبيحات دبر الصلوات ولقيل لا تعدوا ثلاث وثلاثين بل عدوا سيئاتكم !! فإذن لا معنى لهذا إلا أنه تفرس أنهم الخوارج الذي حذر منهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهد من حالهم ما يدل على العجب والغرور وحب التصدر وهذا والله هو حال الخوارج في كل زمان إلى زماننا هذا كما نشاهده رأي العين. السبب الثالث : أن أثر سيدنا ابن مسعود لم يصححه أي حافظ من علماء الحديث قبل زماننا هذا بل على العكس ردوه بسبب مخالفته للنصوص الصريحة وبسبب ضعف إسناده . فمنهم من رده مباشرة لمعارضته للنصوص الصريحة كما فعل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى . قال الامام السيوطي رحمه الله تعالى في رسالة نتيجة الفكر في الجهر بالذكر قلت: هذا الأثر عن ابن مسعود يحتاج إلى بيان سنده، ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم، وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهي مقدمة عليه عند التعارض . انتهى ومنهم من صرح أنه أثر غير ثابت كما قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى. وقال الامام الألوسي رحمه الله في تفسيره روح المعاني 163/ 6 : وما ذكر في الواقعات عن ابن مسعود من أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجه من المسجد لا يصح عند الحفاظ من الأئمة المحدثين وعلى فرض صحته هو معارض بما يدل على ثبوت الجهر منه رضي الله تعالى عنه مما رواه غير واحد من الحفاظ أو محمول على الجهر البالغ.انتهى كلامه. مطلب:حكم الذكر بعدد محدد أو وقت محدد الذكر على نوعين :وهما : الذكر المطلق ،والذكر المقيد. النوع الأول الذكر المطلق: وهو ما جاء الشرع بالأمر به ولم يحصره في عدد ولا وقت ولا حال بل هو جائز في كل وقت وحال .كما قال تعالى “يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً " وكما في الحديث الشريف “كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يذكر الله على كل أحيانه ” رواه الترمذي وغيره. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”بكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة….” وغيرها من نصوص الحث على كثرة التعبد لله تعالى مطلقاً . فالمطلوب هو كثرة الذكر دائما .كما أمر الله تعالى. وهذا هو الذي يحث عليه كثير من الصالحين ومنهم سيدي فضيلة الشيخ أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى. النوع الثاني الذكر المقيد : وهو على قسمين : القسم الأول :ما تقيد به المكلف لورود النص الشرعي الخاص تقييده. فمنه المقيد بحال المصلي كتسبيحات الركوع والسجود وأوراد دبر الصلاة المفروضة ونحو ذلك. فهذه الأذكار ورد الشرع بها ولا يوجد علة ظاهرة لتعيين العدد إلا محض التعبد ،أي أن الله تعالى أمرنا بها فأطعناه وإن لم نعلم أي علة لهذا العدد ولذا فلا بزاد فيها على ماورد به النص الخاص إلا بدليل. القسم الثاني :ما تقيد به المكلف ﻷسباب شرعية وهي على نوعين: النوع الأول:ما تقيد به المكلف بسبب النذر أو العهد أو الوعد . كطالب جامعي وعد معلمه بالمحافظة على ذكر لا اله الا الله في كل يوم مئة مرة . أو شاب وعد والديه وعاهد أن يحافظ على الاستغفار كل يوم مئة مرة في الصباح والمساء . أو رجل نذر أن يسبح كل يوم الف تسبيحة. فهؤلاء ينبغي لهم شرعا الوفاء بما قطعوا على أننفسهم من وعود أو نذر . قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) وقال تعالى : ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) ، وقال في مدح عباده المؤمنين (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) و قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم “مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ ، فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ ، فَلَا يَعْصِهِ ” .رواه البخاري ولا شك أن الذكر والاستغفار والتسبيح والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة . فمن نذر فعليه بالوفاء ليكون ممدوحا عند الله تعالى حيث قال عزوجل”يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا” ومن ينوي عند الوعد عدم الوفاء، فهذا هو المقصود بحديث: آية المنافق ثلاث وذكر منها: إذا وعد أخلف… متفق عليه. قال الامام النووي في كتاب المجموع شرح المهذب : أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، ……………إلى أن قال :فإن كان عند الوعد عازماً على أن لا يفي به فهذا هو النفاق . انتهى وقال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” يعني أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربَّكم، والعقود التي عاقدتموها إياه، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقًا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضًا، فأتمُّوها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها، ولمن عاقدتموه منكم، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم، ولا تنكُثُوها فتنقضوها بعد توكيدها. انتهى النوع الثاني من المقيد: هو ما تقيد به المكلف لأجل تحقيق مقاصد شرعية . فمعلوم أن كثرة الذكر في الشريعة الإسلامية مطلب شرعي مقصود بعينه . والإنسان لا يستطيع التوصل اليه الا باتخاذ الوسائل التي يتوصل بها لهذا المقصد العظيم . وحتى يتحقق هذا المقصد فهو يتخذ الوسائل التي يتوصل به إليه فمنها: التدرج: فيبدأ بالقليل حتى يصل إلى الكثير . ومنها المداومة والاستمرار . ومنها أن يلتزم بصحبة من يعاونه على الذكر. ومنها اتخاذ أوقات مناسبة له ليذكر فيها. و منها أن يحافظ على مقدار معين يعمله يوميا سواء قدره بزمن معين بمقدار ساعة أو أربعين دقيقة أو أكثر أو أقل أو قدره بعدد معين كأن يكون مئة أو ثلاثمائة أو أقل أو أكثر حتى يعتاد الانضباط ويتخلص من شهوة التفلت لكي يترقى في مدارج السالكين . فهذا التقييد بالعدد والزمن والصحبة والمكان هي مجرد وسائل لتحقيق مقصد شرعي معتبر وهو تماما كتحديد المدارس الشرعية لحصص دراسة الفقه والقرآن الكريم والعلوم الشرعية بزمن محدد في جميع المدارس فيخصصونها به حتى يستطيع الطالب والمعلم التوصل إلى المقصد المطلوب وهو إيصال العلم الشرعي بالتدرج والانضباط . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم” عمله ديمة” فهذا التقيد بالزمن أو العدد أو المكان هو وسائل مستحبة.والقاعدة الشرعية تنص على أن للوسائل أحكام المقاصد. كما قال العلماء رحمهم الله تعالى. والنظر في الوسائل يكون من جهة : هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أم لا؟ فيكفي في الوسائل أن يكون الشارع لم ينهى عنها وأنها لاتؤدي إلى معصية من المعاصي . ثم أننا لانحكم للوسائل بحكم منفصل عن الغاية المقصودة ، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا ، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة لم ينهى عنها الشرع بخصوصها. وبهذا يعلم المسلم أن الوسائل التي تعين على الذكر أو على النشاط فيه كالانشاد المباح أو الحركة أو نحو ذلك ماهي لا وسائل لم ينهى الشرع عنها بل هي من جنس الانشاد الذي كان يفعله أنجشة وعامر بن الأكوع وابن رواحةوغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.فالتعنت في الانكار لاينبغي إلا على منكر واضح. مطلب في ذكر مواقف أحدثت للتوصل إلى طاعة: في هذا المبحث سأذكر عدة مواقف تبين أن فهم السلف للبدعة ليس كما يفهمه المتنطعون في زماننا: الموقف الأول : إحداث الاجتماع لصلاة التراويح بعد أن تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنهم. وقد يقول جاهل أن عمر من الخلفاء الراشدين . وجوابه أنه لا شك في ذلك لكنه ليس معنى سنة الخلفاء الراشدين أن يحق لهم التشريع بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل معناه أنهم متمسكون بهديه وفهمه بالفعل وبذلك صاروا أسوة حسنة للمسلمين . فإذا علمنا ذلك علمنا أن فعل الوسائل التي تؤدي إلى مقاصد الشريعة هو من السنن الحسنة . ففي صحيح البخاري في كتاب صلاة التراويح ما نصه: “قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس على ذلك”، قال الحافظ ابن حجر: “أي على ترك الجماعة في التراويح”. ثم قال ابن شهاب في تتمة كلامه: “ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه”. وفيه أيضا عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال:خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: “نعم البدعة هذه”.ا.هـ. وفي الموطأ بلفظ: “نِعمت البدعة هذه”. قال الحافظ ابن حجر: “قوله قال عمر: “نعم البدعة” في بعض الروايات “نعمت البدعة” بزيادة التاء، والبدعة أصلها ما إحداث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة”ا.هـ. ومراده بالأحكام الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام . الموقف الثاني: أخرج البخاري في صحيحه عن رِفاعة بن رافع الزَّرقي قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: “سمع الله لمن حمده”، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيراً طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: “من المتكلم” قال: أنا، قال: “رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول”. قال الحافظ ابن حجرفي الفتح في شرح هذا الحديث: “واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور” ا.هـ. الموقف الثالث: احداث حلق الوعظ والتذكير والعلم قبل صلاة الجمعة: فاحدثوا سنتين حسنتين هما :التحلق قبل الصلاة،وتخصيصه بيوم الجمعة. فقد كان السلف يخصصون هذا الوقت وذلك لما فيه من مصلحة اجتماع الناس ففي " المستدرك " ( 6173 ) عن عاصم بن محمد عن أبيه قال : " رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائما و يقول : حدثنا أبو القاسم رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم . فلا يزال يحدث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام للصلاة جلس ".قال ( 3/585 صحيح الإسناد و لم يخرجاه .و قال الذهبي في " مختصره " : صحيح . و في " مصنف " ابن أبي شيبة ( 5409 ) : حدثنا ابن مبارك عن أسامة بن زيد عن يوسف بن السائب عن السائب – رضي الله عنه - قال :" كنا نتحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ". و رواه أبو الشيخ في " طبقات المحدثين بإصبهان " ( 1275 ) . قال : حدثنا عبد الله بن أبي عمرو ، قال : ثنا هارون بن طريف المكي ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا أسامة بن زيد ، أن محمد بن يوسف ، حدثه أنه ، سمع السائب بن يزيد – رضي الله عنه - ، يقول : " كنا نتحلق يوم الجمعة قبل النداء الأول فإذا نودي للصلاة قمنا" ولا يعارضه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء و البيع في المسجد و أن تنشد فيه الأشعار و أن تنشد فيه الضالة و عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة " لأن له معنى بينه العلماء قال الامام النووي رحمه الله في " الخلاصة " ( 2/787 ) في ترجمة الحديث : ( باب النهي عن التحلق في الجامع قبل الصلاة إذا كان فيه تضييق على المصلين ، سواء التحلق للعلم أو غيره ) و قال الامام الطحاوي رحمه الله تعالى في " شرح معاني الآثار " ( 4/359 ) : التحلق في المسجد قبل الصلاة مما عمه من ذلك فهو مكروه ، و ما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه . الموقف الرابع: إحداث خبيب لصلاة ركعتين قبل القتل : ففي صحيح البخاري في غزوة الرجيع:“وكان خبيب هوقتل الحارث يوم بدرفمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته قالت وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكةيومئذ ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت .فكان أول من سن الركعتين عند القتل”رواه البخاري فتأمل في قوله فكان أول من سن الركعتين قبل القتل . فهل اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة ضلالة لأن الصحابي فعلها قبل أن تشرع ؟ أم أقر فعله بعد وفاة الصحابي الجليل رضي الله عنه لأنهم من المعروف أصلا أنها سنة حسنةلا تخالف الدين . الموقف الخامس: إحداث الأذان الأول للجمعة في عصر سيدنا عثمان رضي الله عنه لأنه وسيلة للتنبيه على اقتراب الوقت: وهذا العمل لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد سيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. عن السائب بن يزيد قال” كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء “رواه البخاري في صحيحه في باب النداء يوم الجمعة وقال:قال أبو عبد الله الزوراء موضع بالسوق بالمدينة.انتهى قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث :وفي روايته عند الطبراني” فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء ، فكان يؤذن له عليها ، فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول ، فإذا نزل أقام الصلاة “ وتبين بما مضى أن عثمان رضي الله عنه أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة..انتهى. فهكذا كان فهمهم للدين فليسوا ممن هواهم وديدنهم تبديع أهل السنة. الموقف السادس:تخصيص ابن مسعود يوم الخميس للموعظة والذكر: جاء في صحيح البخاري في كتاب العلم” كان عبدُ اللَّهِ يذَكِّرُ النَّاسَ في كلِّ خميسٍ . فقالَ لَهُ رجلٌ: يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ لودِدتُ أنَّكَ ذَكَّرتَنا كلَّ يومٍ ؟قالَ: أما إنَّهُ يمنعُني من ذلِكَ أنِّي أَكرَهُ أن أُملَّكم، وإنِّي أتخوَّلُكم بالموعظةِ، كما كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يتخوَّلنا بِها، مخافةَ السَّآمةِ علَينا.” فتخصيصه الموعظة للناس يوم الخميس لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة قد علموا أن الوسائل إلى الخير جائزة غير ممنوعة شرعا ما لم يرد نص صريح صحيح بالنهي عنها . أما الاستدلال بحديث “كل بدعة ضلالة ” على تبديع السنن الحسنة التي أحدثت لتحقيق مقاصد شرعية مطلوبة فهو عمل باطل واستدلال بدليل عام في غير مكانه. مطلب :ما كان من الدين فليس بدعة ضلالة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” متفق عليه. قال ابن رجب وألفاظه مختلفة ، ومعناها متقارب ، وفي بعض ألفاظه : ” من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد ” . وجاء في كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري الحنبلي رقم الحديث: 115 ساق بسنده عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ فَعَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لا يَجُوزُ فَهُوَ رَدٌّ ” . بهذه الألفاظ النصية يفهم معنى كل بدعة ضلالة فهي البدعة التي تخالف الشرع وتصادمه .أما الأعمال التي تؤيد الشريعة وتنصرها وتعين على العمل بها فليست بدعة مذمومة بل هي سنة حسنة وتأمل في هذه النصوص فهي تزيد يقينا بهذا فإن قوله عليه الصلاة والسلام (ما ليس منه) يكفي لفهم ذلك . فمن يزعم أن ذكر الله تعالى والاجتماع له والتعاون عليه أو اتخاذ الوسائل التي تعين على كثرة الذكر كالعدد والسبحة ونحوها من الوسائل ليست من الدين الإسلامي فقد غلط بلا ريب. وانظر إلى اللفظ الأخر للحديث الذي ساقه ابن بطة وهو “من فعل في أمرنا مالا يجوز ” فإنه يؤكد ذلك . ومفهوم هذه النصوص من عمل عملا لا يخالف الدين فهو منه وليس بمخالف للدين القويم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ» [رواه مسلم]. جاء في لسان العرب: وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه. وعلى ذلك فالسنة الحسنة هي: أن يعمل الإنسان عمل طاعة فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك. ومن السنة الحسنة أن يحدث الإنسان فعل شيء لم يسبق إليه مستنداً في ذلك إلى دليل شرعي عام ، ومنها أن تكون هناك سنة مهجورة تركها الناس، ثم فعلها شخص فأحياها، فهذا يقال عنه سنها، بمعنى أحياها . ومنها كذلك: أن يحدث المسلم شيئاً كوسيلة لأمر مشروع، فهذا لا يتعبد بذاته، ولكن لأنه وسيلة لغيره. ومن ذلك التقيد بعدد في الذكر يتوصل به إلى كثرة الذكر ومنه الاتفاق على وقت يجتمعون فيه لذكر الله تعالى وغيرها من الوسائل الشرعية في التعليم والدعوة ونحو ذلك. ولذا ثبت عن السلف هذا البيان فقال الإمام البيهقي في كتاب مناقب الشافعي :أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال حدثنا أبو العباس الأصم قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة, والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة.مناقب الشافعي (1/469). وقال الحافظ ابو نعيم في كتابه حلية الأولياء(حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبدالله بن محمد بن عبدوس العطشي ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا حرملة بن يحيى قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم) . فالبدعة الحسنة مقصودهم بها السنة الحسنة وإنما سميت بدعة بمعنى البدعة اللغوية فهذا هو فهم أهل السنة جزاهم الله خيرا. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لهإ رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأحد، 7 ديسمبر 2014

من جواهر التوحيد الكلام عن صفة الوجود

الدرس الثالث عشر: من الكماﻻت التي يجب إثباتها لله عزوجل إثبات عشرين صفة: وقد قسمها العلماء إلى اربعة أقسام وهي: القسم اﻷول:الصفة النفسية وهي صفة واحدة وهي الوجود. القسم الثاني:الصفات السلبية:وأصولها خمس صفات ثابتة لله تعالى وفي اثباتها سلب لضدها من الصفات الباطلة . القسم الثالث:صفات المعاني: وهي سبع صفات . القسم الرابع: الصفات المعنوية. ------------------- أوﻻ الصفة النفسية :وهي الوجود: فالله تعالى ﻻيجوز عليه العدم أزﻻ وأبدا بل هو واجب الوجود. ووجوده غير معلل بعلة أي أنه لم يؤثر في وجوده شيء سبحانه وتعالى .فوجوده تعالى ذاتي بخﻻف وجود المخلوقات ﻷن وجودها بفعل فاعل فعلهاوهو ربنا عز وجل فأوجدها بعد العدم. وصفة الوجود هي تدل على نفس ذات موﻻنا عز وجل ولذلك سميت صفة نفسية أي تدل على نفس الذات . ووصف الوجود ليس كصفات المعاني قائمة بالذات بل هو حكم لها. ومعناه: أن الله موجود . والدليل على وجود الله تعالى أدلة نقلية وعقلية فمن اﻷدلة النقلية : في سورة اﻷنعام قال الله تعالى "ذلكم الله ربكم ﻻ إله هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل " وقال تعالى في سورة البقرة "إن في خلق السموات واﻷرض واختﻻف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به اﻷرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء واﻷرض ﻵيات لقوم يعقلون" ﻭﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ في سورة الجاثية "إن في السموات واﻷرض ﻵيات للمؤمنين *وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون* واختﻻف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به اﻷرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون" 44 واما البراهين العقلية : فمن تأمل في النصوص القرآنية عرف أن الله أمر بالتفكر في المخلوقات لينتج عن هذا التفكر ثمرات عظيمة وأساسها في ثمرتين: الثمرة اﻷولى :أصل اﻹيمان بوجود الله تعالى وبصفاته العظيمة كالقدرة واﻹرادة والعلم . والثمرة الثانية:كمال اﻹيمان :وهو زيادة اليقين وذلك بزيادة الدﻻئل . فأما أصل اﻹيمان وهو مبحث العقيدة في هذه الدروس : فبيان ذلك أن من نظر في هذه المخلوقات ومنها اﻹنسان وجد أنها حدثت بعد عدم وأنها تتغير من حال إلى حال .والتغير هو انعدام وصف وحدوث وصف بعد عدم وهذا العدم والوجود يحصل للذوات والصفات . فمالذي رجح كفة الوجود على كفة العدم ؟! فنحن رأينا بأعيينا أشياء كانت عدما منها اطفالنا واعمالنا ثم أوجدت بعد ذاك العدم فمن الذي رجح كفة الوجود على العدم ؟ﻻ شك أن هناك سبب لذلك ﻷنه من المستحيل رجحان كفة على كفة بدون مرجح . ويستحيل أن يكون هذا المرجح للكفة شيء حادث أيضا وإﻻ لزم افتقاره إلى مرجح آخر فيتسلسل هذا اﻻحتمال لغير بداية . ويستحيل الدور وهو أن يكون وجود الشيء متوقف على وجود نفسه ﻷنه يلزم أن ﻻ يحصل أي وجود لشيء . فإذن ﻻبد من شيء وجوده غير متوقف على شيء آخر وأن يكون قديما غير حادث وهذا الشيء هو الفاعل لكل حادث .ونحن نؤمن بهذا الشيء وهو الله جل جﻻله كما تواتر عن الرسل الكرام المؤيدون بالمعجزات الباهرة عليهم الصﻻة والسﻻم . فتغير الشمس والقمر والسموات واﻹنسان هو أعظم برهان على عدم كونها أربابا ﻷن التغير يدل قطعا على الحدوث. فالتغير هو حدوث شيء أو فناءه. مثاله :اﻹنسان كان عدما ثم حدث بعد العدم فكان نطفة ثم تغير من نطفة إلى مضغة ثم تدرج في التغير حتى صار قويا ثم ضعيفا فﻻ شك بأن هذا التغير بجميع مراحله حادث بعد عدم . والشمس تتغير وسبب حكمنا بالتغير هو حركتها التي يدل عليه أفولها وحرها وبردها والذي خصصها بحجم ولون وغيرها من اﻷعراض وكل متغير حادث وكل حادث ﻻبد له من فاعل أوجدها ويتصف بقدرة واردة وعلم وحياة . 45 إذن نسنتج نتيجتين أساسيتن : النتيجة اﻷولى :أن الله تعالى أنعم على اﻹنسان بنعمة العقل وحثه على التفكر في ما بستطيع التفكر فيه وهي اﻷمور التي يراها بعينه ويسمعها بإذنه أو يذوقها بلسانه أو يلمسها أي ما يتصل بالحواس الخمس .فنظر في الطبيعة سماءها وارضها وشمسها وقمرها ونجومها وفي اﻹنسان من حين نشأته الى مماته .وفي اختﻻف المطعومات في طعمها والملموسات في نعومتها وغلظها والمشمومات بأنواعها والمسموعات بأجناسها .فمن تفكر وجد أن جميعها حادثة مخلوقة بدليل أنها تتغير من عدم الى وجود ومن وجود إلى عدم . ومن صفة الى صفة . وأنها محتاجة مفتقرة إلى غيرها .وأن هذه الحادثات لها أشكال بديعة في اﻹتقان ولها أوزان ونسب مخصصة وأنها مسخرة تجري على نسق منتظم . فأخذ من ذلك القواعد التالية : القاعدة اﻷولى :أن التغير يدل قطعا على الحدوث فكل متغير حادث. القاعدة الثانية:أن التغير يدل على النقص واﻻفتقار ﻷنه إما تغير من نقص إلى كمال فإذن كان ناقصا واما من كمال إلى نقص فهو على كﻻ اﻻحتمالين يكون حادثا . القاعدة الثالثة:أن كل من اتصف بصفة حادثة فذاته حادثة قطعا . القاعدة الرابعة:أن الحدوث والتغير يدل على اﻻفتقار إلى الغير في اﻹيجاد واﻹمداد . القاعدة الخامسة :أن الفاعل للحادثات ﻻبد أن يكون مخالفا لها في جميع ذواتها وصفاتها .فلو اتصف بصفة من صفات المخلوقات فهو أيضا حادث مخلوق . القاعدة السادسة :أن هذا الشيء الفاعل الذي ليس بحادث ﻻبد أن يكون واحدا فقط ﻻ شريك له وﻻ معاون ﻷنه الشراكة والمعاونة تدل على اﻻحتياج للغير وهذا وصف الحوادث . القاعدة السابعة :أن هذا القديم ﻻبد أن يكون متصفا بصفة القدرة واﻹرادة والعلم والحياة . القاعدة السابعة :أنه دائم باق بذاته وصفاته ﻻينعدم وﻻ يفنى .فكل ما ثبت قدمه فيستحيل عدمه . النتيجة الثانية :أنها تواترت اﻷخبار القطعية أن هذا الشيء الواجب الوجود الذي يفتقر إليه كل حادث هو الله عز وجل المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص فآمنا به يقينا ﻻ شك فيه فنسأل الله الثبات على الحق في جميع العوالم . آمين . 46