مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

تحذير الجهوية من مزالق الحلولية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه: إن المعتقدين لعقيدة الجهة يتفقون مع أهل السنة والجماعة على تأويل النصوص التي توهم حلول الله في الأرض وتوهم قربه الذاتي من المخلوقات واعتقاد أن الله يحل في الأرض بذاته وهذه العقيدة الفاسدة تسمى عقيدة الحلولية وقد فهموها من النصوص الشرعية بفهومهم الردية فمن هذه النصوص : ___________ يقول الله تعالى ((ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍإِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَمَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) فالثلاثة شيء مجتمع محسوس والله سبحانه هو الرابع معهم فالحلولية الكفار فهموا أن الله تعالى يحل بذاته في الأرض وأنه مع المخلوقات بذاته فيحمل على الحقيقة وهي المعية الحسية لأن الأصل في الكلام الحقيقة . ولهذا الفهم الباطل أجمع المسلمون على خروج الحلولية من الإسلام . أما أهل السنة وجميع المسلمون حتى الجهوية الذين يعتقدون أن الله سبحانه في جهة فجزموا أن تفسير الحلولية لهذه النصوص باطل . وقالوا الحق أن معناها أنه عليم بهم فهي معية علم وليس معناها أنه معهم بذاته . وأيضا قوله تعالى ((وهو معكم إذ تبيتون مالايرضى من القول)) ليست معية حسية كما فهم الحلولية بل معناها أنه يعلم بهم وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} معناها بالتأييد والنصرة لهم وليس معناها أن حل معهم بذاته. وقوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن} وقوله تعالى {فلما أتاها نُودِيَ من شَاطِئِ الوادِ الأَيْمَنِ في البُقعَةِ المُبَارَكِةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله ربُّ العالمين} معناها أن سيدنا موسى عليه السلام سمع النداء في ذلك المكان وليس معناها أن الله سبحانه حل في وادي طوى . وقوله سبحانه وتعالى "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16]، وقوله تبارك وتعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاتُبْصِرُونَ" معناها قرب علمه وليس ذاته فالوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه ، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه ، وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء. وإذا ثبت تنزيه الرب تعالى عن الحيز والجهة والقرب الحسي والبعد العرفي وجب تأويل ذلك على ما يليق بجلاله وهو قرب علمه ورحمته ولطفه ويؤيده قوله تعالى ((إن رحمت الله قريب من المحسنين)) أو قرب المنزلة عنده كما يقال السلطان قريب من فلان إذا كانت له عنده منزلة رفيعة. واستدل الحلولية بالأحاديث الدالة على ماذهبوا إليه من ضلالة فمنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم "اربعوا على أنفسكم إنكم لاتدعون أصماًولاغائباً إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في المصلي "إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه" خرجه البخاري برقم (450) فكل هذه النصوص فهمها الحلولية فهما باطلا جعلهم يعتقدون بحلول الله سبحانه في الأماكن والجهات السفلية مع مخلوقاته. وكما أن هذه النصوص لايجوز أخذها على ظاهرها للأدلة النقلية والعقلية الدالة على استحالة ذلك لأن حلول الله تعالى في مخلوقاته نقص ينزه الله تعالى عنه. وهذه النصوص من المتشابه ولا يجوز الأخذ بالمتشابه في تقرير العقائد القطعية ،وقد تقررقطعاً أن الله تعالى منزه عن كل نقص ،وأن الله تعالى له الكمال المطلق ،وأنه لا يشبهه شيء من مخلوقاته كما قال تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا) أي يساميه في ذاته وصفاته وقال تعالى "ولم يكن له كفوا أحد" وإذاقيل بحلول الله تعالى في خلقه فهذا يعني أنه محدود والمحدود جسم له أبعاد بلا ريب،فهذا الفهم يؤدي إلى أن الخالق سبحانه وتعالى يشبه مخلوقاته ولو بوجه من الوجوه .!وهذا نقص عظيم ومناقض للنّصوص المبيّنة لكون الله تعالى ليس له ند ،ولا مثيل ،ولا سمي يساميه في ذاته وصفاته ،ولا كفأ له سبحانه جل شأنه. ونحن نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود قبل خلق هذا العالم وأنه قديم أزلي وأن من أخص خصائصه أنه لايتغير ولايتبدل ،لأنه إما أن يتغير من نقص إلى كمال ،أو من كمال إلى نقص والنقص لايجوز على الله تعالى قطعاً وحلوله في مخلوقاته يدل على أنه يتغير سبحانه وتعالى عن ذلك والتغير حدوث والحادث مخلوق وليس بخالق. ثم إن تأويل هذه النصوص تأويلا صحيحا يليق بالله تعالى ممكن بلاريب فإذن لا يجوز التمسك بمعناها الظاهر،بل لها تأويل يليق بالله تعالى وهو سائغ في لغة العرب. ____ ____ فهو مع خلقه جميعا بعلمه بهم ،ومع المؤمنين بحفظه لهم ونصرته لهم وليس المقصود معية حسية. لأن الأدلةالقاطعة قد دلت أن الله موجود قبل كل شيء ولا يتغير ولا يتبدل ولا يشابه خلقه ولذافلا يتصف بالجسمية ولا يحصره شيء سبحانه وتعالى ولا يحويه مكان ولا غيره. ____ وكما أن الجهوية يجزمون بعدم جواز تفسير هذه النصوص على ظاهرها لما يؤدي إليه من بدعة وضلالة فكذلك يلزمهم أن ينتهوا عن تفسير النصوص الأخرى التي فهموا منها حلول الله في العرش وفي الجهة الحسية لما تؤدي إليه من بدعة وضلالة. فإن فهم النصوص فهمايناقض الأدلةالنقلية القطعية هو سبب للزيغ والضلال كما ضل الحلولية . وعليهم بالتوبة والرجوع إلى عقيدة أهل السنة التي عليها المسلمون على مر السنين السالفة.