مدونة لتزكية القلوب ،ودحر الشبهات عن التصوف الحق،الذي هو تحقيق مقام الإحسان ثالث أصول الإسلام.

الثلاثاء، 9 مارس 2010

مسألة إهداء الثواب إلى الأموات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه:
بفضل الله تعالى فإن التواصل بين المسلمين لا ينتهي لا في الحياة الدنيا ولا في الحياة البرزخية ،ولا يزال الأرحام والأصدقاء والمحبين ينتفعون بهذه الروابط الإسلامية ويتعاونون على كل خير حسي أو معنوي .ومن ذلك مسألة إهداء الثواب إلى الأموات وإليكم النقول التالية :
جاء في فتاوى الإمام الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى ما نصه: مسئلة في قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقد ثبت أن أعمال الأبدان لا تنتقل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وقد اختلف في القرءان: هل يصل إلى الميت أو لا؟ وكيف يكون الدعاء يصل إليه والقرءان أفضل ؟.

فأجاب رضي الله عنه: هذا قد اختلف فيه، وأهل الخير وجدوا البركة في مواصلة الأموات بالقرءان، وليس الاختلاف في هذه المسئلة، كالاختلاف في الأصول، بل هي من مسائل الفروع، وليس نص الآية المذكورة دالاً على بطلان قول من قال: أنه يصل، فإن المراد به -أي نص الآية- أنه لا حق له ولا جزاء إلا فيما يسعى، ولا يدخل ما يتبرع به الغير من قراءة ودعاء وأنه لا حق في ذلك ولا مجازاة، وإنما أعطاه الغير تبرعًا، وكذلك الحديث لا يدل على بطلان قوله، فإنه في عمله، وهذا من عمل غيره اهـ، وسئل الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية ـ في موضع من فتاويه ,عما إذا تصل إلى الميت القراءة والصدقة من ناحليه وغيرهم فأجابهم بقوله ج24ص366,367(وأما القراءة والصدقة وغيرهما من أعمال البر فلا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية كالصدقة والعتق كما يصل اليه أيضا الدعاء والإستغفار والصلاة عليه صلاة الجنازة والدعاء عند القبر.وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة والصواب أن الجميع يصل إليه.فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)وثبت أيضا(أنه أمر امرأة ماتت أمها وعليها صوم أن تصوم عن أمها)وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لعمرو بن العاص (لو أن أباك أسلم فتصدقت عنه أو صمت أو أعتقت عنه نفعه ذلك)وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي.
واما احتجاج بعضهم بقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)فيقال له قد ثبت بالسنة المتواترة واجماع الأمة انه يصليَّ عليه ويدعى له ويستغفر له وهذا من سعي غيره وماكان في جوابهم في موارد الإجماع فهو جواب الباقين في موارد النزاع وللناس في ذلك أجوبة متعددة لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال (ليس للإنسان إلا ماسعى)فهو لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير ,لكن اذا تبرع له الغير بذلك جاز ,وهكذا اذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك ,كما ينفعه بدعائه له ,والصدقة عنه وهو ينتفع بكل مايصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له .
وقد سئل الشيخ في موضع آخر ج24ص324,عن قراءة أهل الميت تصل اليه والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير اذا أهداه إلى الميت يصل اليه ثوابها أم لا؟
فأجاب:
يصل إلى الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى اذا أهدوه إلى الميت وصل اليه والله اعلم.

ــــــــــــــــــــــــ
قال ابن القيم في الروح ص110و111
(..أن الصوم نية محضة وكف النفس عن المفطرات وقد أوصل الله ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية بل لا تفتقر الى النية فوصول ثواب الصوم إلى الميت فيه تنبيه على وصول سائر الأعمال.)انتهى كلامه رحمه الله تعالى

وجاء في مستدرك الحاكم ما نصه: وقد رويت أخبار في الأضحية عن الأموات »
7663 - فمنها ما حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ بشر بن موسى الأسدي ، وعلي بن عبد العزيز البغوي ، قالا : ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، ثنا شريك ، عن أبي الحسناء ، عن الحكم ، عن حنش ، قال : ضحى علي ، رضي الله عنه بكبشين كبش عن النبي صلى الله عليه وسلم وكبش عن نفسه وقال : « أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه » فأنا أضحي أبدا >> رواه أبوداود والترمذي والحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأبو الحسناء هذا هو : الحسن بن الحكم النخعي » قال الذهبي في التلخيص صحيح انتهى
فائدة: حنش بن ربيعة مختلف فيه وقد وثقة الإمام أبوداود والعجلي وقال ابن عدي في كتابه الكامل : لا بأس به لأن من يروي عنه إنما هو سماك بن حرب والحكم ابن عتيبة وليس بهما بأس. انتهى
وجاء في كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد ما نصه:1154 - حدثنا عبد الله قال : حدثني أبي ، قثنا أسود بن عامر قال : أنا شريك ، عن أبي الحسناء ، عن الحكم ، عن حنش ، عن علي قال : ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه )) فأنا أضحي عنه أبدا .انتهى

وهكذا تجد كثيراً من الصوفية يذبحون الذبائح عن لأنبياء أو الأولياء ويتصدقون بها عنهم على الفقراء الذين يحضرون عند الأضرحة وبهم من الفقر والحاجة الشيء الكثير.فجزاهم الله خيراً.